العرب وجائزة نوبل: سجل حافل بالإنجازات المؤثرة عبر التاريخ
تُعد جائزة نوبل، التي انطلقت في عام 1901، أرفع تكريم عالمي في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام، ولاحقاً في العلوم الاقتصادية. وعلى الرغم من أن الحضور العربي في قائمة الفائزين بها لم يكن كبيراً من حيث العدد على مدار أكثر من قرن، إلا أن الإنجازات التي حققها الفائزون العرب كانت ذات تأثير عميق وتركت بصمات لا تُمحى على الساحتين الإقليمية والدولية.

شخصيات عربية حفرت أسماءها في تاريخ نوبل
منذ تأسيسها، فاز سبعة أشخاص من أصول عربية بالجائزة المرموقة، كان لمعظمهم إسهامات بارزة في مجال السلام، بينما كان هناك حضور لافت في الأدب والعلوم، مما يعكس تنوع الإبداع الفكري في العالم العربي.
كانت البداية مع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، الذي نال جائزة نوبل للسلام عام 1978 مناصفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن. جاء التكريم تقديراً لجهودهما في التوصل إلى اتفاقيتي كامب ديفيد، التي مهدت الطريق لأول معاهدة سلام بين دولة عربية وإسرائيل، وهو حدث غيّر مسار الدبلوماسية في الشرق الأوسط بشكل جذري.
بعد عقد من الزمان، في عام 1988، دخل الأديب المصري نجيب محفوظ التاريخ كأول عربي يفوز بجائزة نوبل في الأدب. كرّمت الأكاديمية السويدية أعماله الروائية التي، بحسب بيانها، "شكلت فناً روائياً عربياً ينطبق على البشرية جمعاء". فتح فوز محفوظ الباب أمام الأدب العربي للوصول إلى العالمية، وألهم أجيالاً من الكتاب في المنطقة.
وفي عام 1994، مُنحت جائزة نوبل للسلام بشكل مشترك لكل من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين ووزير خارجيته شيمون بيريز، وذلك لجهودهم في صنع السلام من خلال اتفاقيات أوسلو. ورغم أن الاتفاقيات لم تحقق السلام الدائم، إلا أن الجائزة اعترفت في حينها بالشجاعة السياسية اللازمة لاتخاذ خطوات نحو المصالحة.
شهد عام 1999 إنجازاً علمياً فريداً للعالم العربي، حيث فاز العالم المصري الأمريكي أحمد زويل بجائزة نوبل في الكيمياء. جاء فوزه تقديراً لأبحاثه الرائدة في مجال "كيمياء الفيمتو"، التي مكنت العلماء من مشاهدة حركة الذرات داخل الجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية باستخدام نبضات ليزر فائقة السرعة. ولا يزال زويل العربي الوحيد الحائز على جائزة نوبل في أحد المجالات العلمية.
عادت جائزة السلام إلى شخصية عربية في عام 2005، عندما نالها الدبلوماسي المصري محمد البرادعي بالتقاسم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي كان يرأسها. تم تكريمهما لجهودهما في منع استخدام الطاقة النووية لأغراض عسكرية وضمان استخدامها في الأغراض السلمية بأعلى درجات الأمان، في فترة اتسمت بتوترات دولية حول الانتشار النووي.
مع اندلاع ثورات الربيع العربي، برز اسم الناشطة اليمنية توكل كرمان التي فازت بجائزة نوبل للسلام عام 2011، لتكون أول امرأة عربية تنال هذا التكريم. قُدمت الجائزة لها، بالاشتراك مع رئيسة ليبيريا إلين جونسون سيرليف والناشطة الليبيرية ليما غبوي، تقديراً لنضالهن السلمي من أجل سلامة المرأة وحقوقها في المشاركة الكاملة في أعمال بناء السلام.
أما آخر الفائزين العرب، فكانت الناشطة الحقوقية العراقية الإيزيدية نادية مراد، التي حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 2018 مناصفة مع الطبيب الكونغولي دينيس موكويجي. جاء تكريمها نتيجة لنضالها من أجل إنهاء استخدام العنف الجنسي كسلاح في الحروب والنزاعات المسلحة، بعد أن نجت بنفسها من فظائع تنظيم "داعش" الإرهابي وأصبحت صوتاً عالمياً للضحايا.
دلالات وتأثيرات الحضور العربي
يكشف توزيع جوائز نوبل على العرب عن هيمنة واضحة لجائزة السلام، وهو ما يعكس بشكل مباشر الطبيعة المضطربة للمشهد السياسي في الشرق الأوسط خلال العقود الماضية. فكل جائزة سلام ارتبطت بجهود لحل نزاعات معقدة أو للدفاع عن حقوق الإنسان في ظل ظروف قاسية، مما يسلط الضوء على دور الأفراد في محاولة صنع التغيير الإيجابي.
على الجانب الآخر، يمثل فوز نجيب محفوظ وأحمد زويل نقطتي ضوء في مجالي الثقافة والعلوم، حيث أثبتا قدرة العقل العربي على المنافسة والتميز عالمياً. فوز محفوظ لم يكن مجرد تكريم شخصي، بل كان احتفاءً باللغة العربية وآدابها، بينما أكد إنجاز زويل على أهمية البحث العلمي كقاطرة للتقدم.
يبقى العدد المحدود للفائزين، خاصة في المجالات العلمية، مؤشراً على التحديات التي تواجهها المنطقة، مثل ضعف تمويل البحث العلمي، وهجرة العقول، والقيود المفروضة على الحريات الأكاديمية والإبداعية في بعض البلدان. ومع ذلك، فإن قصص الفائزين السبعة تظل مصدر إلهام كبير، وتؤكد أن الإسهامات العربية في مسيرة الحضارة الإنسانية حاضرة ومؤثرة.





