اللوفر ليس الأبرز.. تعرف على أشهر 5 سرقات هزت متاحف العالم
في عالم الفن والتراث، تظل سرقات المتاحف من أكثر الجرائم إثارة للجدل والفضول. ورغم الشهرة الواسعة لسرقة لوحة الموناليزا من متحف اللوفر عام 1911، إلا أن تاريخ المتاحف العالمية يحمل في طياته حوادث سرقة أخرى لا تقل عنها دراماتيكية، بل وتفوقها في بعض الأحيان من حيث قيمة المسروقات أو الغموض الذي يكتنف مصيرها. هذه الحوادث لا تمثل مجرد خسارة مادية، بل هي اعتداء على الذاكرة الثقافية للإنسانية، وتطرح تساؤلات حول أمن كنوزنا الفنية ومدى قدرة المؤسسات الثقافية على حمايتها في وجه الجريمة المنظمة.

خلفية عن سرقات المتاحف وتداعياتها
تُعد المتاحف مستودعات للكنوز التاريخية والفنية التي تجمع إرث الحضارات البشرية على مر العصور. ورغم الإجراءات الأمنية المشددة التي تُطبق في معظمها، فإنها تظل هدفًا مغريًا للمجرمين، سواء لأجل الربح المادي الهائل الذي توفره القطع النادرة في السوق السوداء، أو لأغراض أخرى قد تكون مرتبطة بالابتزاز أو غسيل الأموال. تتسبب هذه السرقات في خسائر لا تُعوّض، ليس فقط للمؤسسات المتضررة من حيث القيمة المالية، بل للتاريخ البشري بأكمله، حيث تختفي قطع فنية فريدة، ويُحرم الأجيال القادمة من فرصة مشاهدتها والتعلم منها، مما يؤثر على فهمنا للحضارات الماضية وتطور الفن. وتُبرز هذه الأحداث الحاجة المستمرة لتطوير أنظمة الحماية وتكثيف التعاون الدولي لمكافحة الاتجار غير المشروع بالآثار والفنون.
أشهر السرقات العالمية التي تجاوزت حدود التوقعات
1. سرقة متحف إيزابيلا ستيوارت غاردنر، بوسطن (1990)
تُعد سرقة متحف إيزابيلا ستيوارت غاردنر في بوسطن، الولايات المتحدة الأمريكية، واحدة من أكبر سرقات الفن في التاريخ وما تزال لغزًا محيرًا حتى اليوم. ففي ليلة 18 مارس 1990، تسلل اثنان من اللصوص متنكرين بزي ضباط شرطة إلى المتحف بعد تخدير الحراس، وقاموا بسرقة 13 قطعة فنية لا تقدر بثمن. شملت المسروقات أعمالاً فنية لعمالقة مثل رامبرانت وفيرمير وديغا ومانيه. تقدر قيمة المسروقات بمئات الملايين من الدولارات، وما زالت أماكن القطع المسروقة شاغرة في المتحف تذكيرًا دائمًا بالحادثة. على الرغم من مرور عقود، لم يتم استعادة أي من الأعمال الفنية ولم تتم محاسبة الجناة بشكل قاطع، مما يجعلها قضية مفتوحة ومحور تكهنات لا نهاية لها حول مصير هذه الأعمال الفنية الفريدة.
2. سرقة الخزائن الخضراء في دريسدن (2019)
شهدت الخزائن الخضراء (Green Vault) في قصر دريسدن الملكي بـألمانيا إحدى أكثر السرقات جرأة في العصر الحديث، وذلك في 25 نوفمبر 2019. تمكن اللصوص من اختراق المتحف، الذي يضم إحدى أكبر مجموعات الكنوز في أوروبا، وسرقوا كمية هائلة من المجوهرات الأثرية التي تعود إلى القرن الثامن عشر. تضمنت المسروقات أطقم مجوهرات مرصعة بالألماس والياقوت والزمرد، تقدر قيمتها بنحو 113 مليون يورو. كشفت التحقيقات لاحقًا عن أن اللصوص قاموا بقطع التيار الكهربائي في المنطقة المحيطة بالمتحف قبل اقتحامه لتعطيل أنظمة الإنذار. وعلى الرغم من اعتقال عدد من المشتبه بهم واستعادة بعض القطع في ديسمبر 2022، فإن معظم الكنوز الضائعة لا تزال في عداد المفقودين، مما يمثل خسارة فادحة للتراث الثقافي الألماني والأوروبي.
3. نهب المتحف الوطني العراقي، بغداد (2003)
خلال غزو العراق عام 2003، تعرض المتحف الوطني العراقي في بغداد لعمليات نهب واسعة النطاق، والتي تُعد من أكبر الكوارث الثقافية في التاريخ الحديث. ففي الفترة ما بين 10 و 12 أبريل 2003، في خضم الفوضى التي أعقبت سقوط النظام، سُرقت آلاف القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن، تعود لحضارات بلاد الرافدين القديمة مثل السومرية والأكادية والآشورية والبابلية. هذه القطع كانت تمثل سجلًا فريدًا لأصول الحضارة الإنسانية وتطورها في المنطقة. ورغم الجهود الدولية التي بُذلت لاستعادة المسروقات، تمكنت السلطات العراقية والمنظمات الدولية من استعادة آلاف القطع، لكن الآلاف الأخرى ما زالت مفقودة، ويُعتقد أن الكثير منها قد تم بيعه في السوق السوداء العالمية، مما يمثل خسارة لا تعوض للتراث الإنساني ومصدرًا لإحباط الأوساط الأكاديمية والثقافية.
4. سرقة متحف كونستال روتردام، هولندا (2012)
في ليلة 16 أكتوبر 2012، شهد متحف كونستال في روتردام بـهولندا عملية سرقة جريئة، حيث تمكن لصوص من الاستيلاء على سبع لوحات فنية بقيمة تقدر بمئات الملايين من اليورو. وشملت المسروقات أعمالاً لأبرز فناني العالم مثل بابلو بيكاسو، كلود مونيه، بول غوغان، هنري ماتيس، ولوسيان فرويد. أحدثت هذه السرقة صدمة عالمية بسبب قيمة الأعمال الفنية وأهميتها التاريخية. على الرغم من القبض على الجناة، وبعضهم من رومانيا، وإدانتهم، لم يتم استعادة سوى القليل من اللوحات، ويُعتقد أن بعضها قد أُحرق لإخفاء الأدلة، وهو ما يشكل مأساة حقيقية في عالم الفن وخسارة دائمة لتراث الإنسانية الفني.
5. سرقة لوحتي فان جوخ من متحف فان جوخ، أمستردام (2002)
تعرض متحف فان جوخ في أمستردام بـهولندا لسرقتين بارزتين، ولكن السرقة الأحدث في 7 ديسمبر 2002 كانت الأبرز. تمكن اللصوص من التسلل إلى المتحف وسرقة لوحتين ثمينتين لـفنسنت فان جوخ هما "مشاهد من شاطئ شيفينينغن" (Seascape at Scheveningen) و"كنيسة نيونينغ" (Congregation Leaving the Reformed Church in Nuenen). ورغم أن اللوحتين تم استعادتهما لاحقًا في عام 2016 بعد تحقيقات مكثفة في إيطاليا، إلا أن الحادثة سلطت الضوء على ضعف الأمن في المتاحف الكبرى وحاجتها للتطوير المستمر. لقد كانت عملية الاسترداد انتصارًا كبيرًا لقوات الأمن، وأعادت الأمل في استعادة كنوز فنية أخرى مسروقة، مؤكدة على القيمة الأبدية لهذه الأعمال الفنية ودور التعاون الدولي في مكافحة جرائم الفن.
التداعيات والدروس المستفادة
تُسلط هذه السرقات الضوء على حقيقة أن المتاحف، رغم مكانتها المقدسة كملاذات للثقافة والتاريخ، ليست محصنة ضد التهديدات الإجرامية. وقد دفعت هذه الحوادث إلى مراجعة شاملة لبروتوكولات الأمن، وتحديث أنظمة المراقبة، وتعزيز التعاون بين وكالات إنفاذ القانون على المستوى الدولي. كما أنها تثير أسئلة حول دور السوق السوداء للفن في تغذية هذه الجرائم، والحاجة الملحة إلى آليات أكثر فعالية لتعقب وتحديد الملكية الشرعية للأعمال الفنية، مثل قواعد البيانات العالمية للتحف المسروقة. في نهاية المطاف، كل سرقة هي تذكير مؤلم بالهشاشة الفنية للإنسانية، وضرورة الحفاظ على هذا التراث للأجيال القادمة، ليس فقط لحمايته من اللصوص ولكن أيضًا لضمان استمرارية رسالته الثقافية والتاريخية.





