العريش: سيرة "بوابة مصر الشرقية" التي قد تلعب دوراً في مستقبل غزة
تكتسب مدينة العريش المصرية، الواقعة على الساحل الشمالي لشبه جزيرة سيناء، أهمية استراتيجية متزايدة في ظل التطورات الراهنة التي يشهدها قطاع غزة والحديث المتواصل عن سيناريوهات "اليوم التالي" للصراع الدائر. فبصفتها "بوابة مصر الشرقية"، لا تزال العريش نقطة محورية للتعامل مع الأزمة الإنسانية في غزة، وتبرز كلاعب محتمل في أي ترتيبات مستقبلية للقطاع، مما يعكس دورها التاريخي والجغرافي الحيوي.

خلفية: الأهمية التاريخية والجغرافية للعريش
تتمتع العريش بموقع جغرافي فريد، حيث تقع على بعد حوالي 50 كيلومترًا غرب الحدود المصرية مع قطاع غزة، وحوالي 200 كيلومتر شرق قناة السويس. هذا الموقع منحها أهمية استراتيجية عبر العصور، حيث كانت ولا تزال معبرًا رئيسيًا بين قارتي آسيا وأفريقيا. تُعد العريش، التي تُعرف بكونها عاصمة محافظة شمال سيناء وأكبر مدنها، حلقة وصل تاريخية للعرب والمسلمين، ونقطة عبور للجيوش والقوافل التجارية.
يعود تاريخ المدينة إلى آلاف السنين، وقد شهدت حكمًا فرعونيًا ورومانيًا وبيزنطيًا وإسلاميًا وعثمانيًا. اسمها مشتق من كلمتها القبطية "رينا كولورا" أو "العريشة"، التي تعني "السعف" أو "العرائش"، في إشارة إلى كثرة النخيل فيها. في التاريخ الحديث، لعبت العريش دورًا بارزًا في المفاوضات الإسرائيلية المصرية، حيث كانت نقطة رمزية لاستعادة السيادة المصرية على سيناء بموجب اتفاقية السلام.
دور العريش الحالي في الأزمة الإنسانية لغزة
مع تصاعد الأحداث في قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر 2023، تحولت العريش إلى مركز لوجستي رئيسي للجهود الإغاثية الدولية. أصبحت المدينة بوابة دخول لمئات الأطنان من المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية الموجهة إلى القطاع المحاصر.
- مطار العريش الدولي: استقبل المطار عشرات الطائرات المحملة بالمساعدات من مختلف الدول والمنظمات الدولية، ليصبح نقطة الوصول الجوية الأساسية للمواد الإغاثية.
 - مركز لوجستي للتخزين والتوزيع: يتم فرز وتخزين هذه المساعدات في مستودعات تابعة للهلال الأحمر المصري في العريش قبل نقلها برًا إلى معبر رفح الحدودي.
 - الرعاية الطبية: استقبلت المستشفيات المصرية في العريش ومحيطها مئات المصابين والجرحى الفلسطينيين من غزة لتلقي العلاج الضروري، مما يعكس الدور الإنساني لمصر.
 
تُواجه عملية إيصال المساعدات تحديات جمة، تشمل الإجراءات الأمنية المعقدة، والقيود على دخول الشاحنات، وانهيار البنية التحتية داخل غزة، مما أبطأ تدفق الإغاثة وزاد من معاناة السكان.
دور العريش المحتمل في مستقبل غزة
في ظل النقاشات الجارية حول "اليوم التالي" للحرب في غزة، يبرز اسم العريش كمدينة ذات أهمية محورية في أي سيناريوهات مستقبلية محتملة:
- إدارة الحدود: تُعد العريش الأقرب إلى معبر رفح، الشريان الحيوي الوحيد لغزة الذي لا تسيطر عليه إسرائيل بشكل كامل. وقد تلعب دورًا في ترتيبات أمنية وإدارية مستقبلية للمعبر، مع تأكيد مصر المستمر على رفضها لأي تهجير قسري للفلسطينيين إلى سيناء، وهو موقف يرتكز على الحفاظ على الأمن القومي المصري ورفض تصفية القضية الفلسطينية.
 - إعادة الإعمار: من المتوقع أن تكون العريش مركزًا لوجستيًا رئيسيًا لجهود إعادة إعمار غزة في مرحلة ما بعد الصراع، حيث يمكن أن تستقبل مواد البناء والمعدات والخبرات اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة في القطاع.
 - التنمية الاقتصادية الإقليمية: يمكن أن تُدمج العريش في رؤية أوسع للتنمية الاقتصادية الإقليمية التي تربط شمال سيناء بغزة، مما يوفر فرصًا تجارية واستثمارية تساهم في استقرار المنطقة على المدى الطويل، في حال تحقق حل سياسي شامل.
 - دور أمني محتمل: على الرغم من رفض مصر لأي تدخل عسكري مباشر في إدارة أمن غزة، إلا أن موقع العريش يجعلها ذات أهمية في التنسيق الأمني لأي ترتيبات حدودية مستقبلية، وقد تكون جزءًا من جهود أوسع لاستقرار المنطقة.
 
الموقف المصري والتحديات الإقليمية
لطالما أكدت مصر، عبر بياناتها الرسمية، على مركزية دورها في القضية الفلسطينية، ورفضها القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تغيير الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية. تُعد العريش تجسيدًا ماديًا لهذا الموقف، حيث تمثل خط الدفاع الأخير ضد أي محاولات لفرض واقع جديد على الحدود المصرية.
تُدرك القاهرة أن استقرار غزة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن سيناء، وأن أي اضطراب في القطاع قد تكون له تداعيات أمنية خطيرة على مصر. لذلك، تُكرس الدبلوماسية المصرية جهودها لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات، والضغط من أجل حل سياسي شامل يعتمد على حل الدولتين، معتبرة أن العريش هي البوابة التي يجب أن تُدار بحكمة لضمان تحقيق هذه الأهداف.
وفي ضوء هذه التطورات المستمرة، تظل العريش أكثر من مجرد مدينة؛ إنها نقطة التقاء تاريخية وجغرافية وسياسية، وتكتسب أهميتها من كونها شريان حياة وموقعًا استراتيجيًا قد يحمل مفتاحًا لدور مصري محوري في صياغة مستقبل قطاع غزة.





