الفن المصري: حكاية عريقة من منظور محمود بسيوني
يتناول المقال أو الرؤية التي يقدمها محمود بسيوني السرد الغني والمتعدد الأوجه للفن في مصر، وهي رحلة تمتد عبر آلاف السنين. يتجاوز هذا الاستكشاف الجماليات البحتة، متداخلاً مع التطور الروحي والاجتماعي والسياسي للأمة. وفي حين تسلط الفعاليات المعاصرة مثل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي السنوي الضوء على الحاضر المزدهر للفنون الأدائية المصرية، تدعو أعمال بسيوني إلى فهم أعمق للجذور التاريخية التي غذت هذه التعبيرات الفنية، لا سيما في السينما والمسرح، اللذين احتلا مكانة بارزة في المشهد الثقافي العربي الأوسع.

جذور الفن المصري القديم
يبدأ الإرث الفني لمصر بالأعمال الضخمة للعصر الفرعوني، التي تتميز بارتباطها العميق بالمعتقدات الدينية والحياة الآخرة. فمن النقوش المعقدة في المقابر والمعابد التي تصور الحياة اليومية والآلهة، إلى التماثيل الضخمة والعجائب المعمارية مثل الأهرامات ومعبد الأقصر، كان الفن المصري القديم رمزياً ووظيفياً للغاية ومتأصلاً بعمق في الهيكل الاجتماعي. لم يكن مجرد زخرفة، بل كان بمثابة قناة حيوية للاستمرارية الروحية والسلطة الملكية.
أدخلت الفترات اللاحقة، بما في ذلك الحكم الهلنستي والروماني، مؤثرات جديدة، مزجت التقاليد المحلية بالجماليات اليونانية الرومانية. ومثال بارز على ذلك هو صور المومياوات الواقعية في الفيوم، التي تعرض اندماجاً فريداً للممارسات الجنائزية المصرية مع تقنيات الرسم الرومانية، مما يقدم لمحة مؤثرة عن وجوه الأفراد من العصور القديمة.
الفن في العصور الوسطى والإسلامية
مع ظهور المسيحية، برز الفن القبطي، الذي تميز بأيقوناته المميزة، وجدارياته في الأديرة (مثل تلك الموجودة في وادي النطرون)، ونسيجه المعقد. مثلت هذه الفترة مرحلة انتقالية، حيث حفظت عناصر من الرمزية المصرية القديمة بينما تبنت الروايات المسيحية والأشكال الفنية، لتؤسس هوية بصرية فريدة سبقت الازدهار الكامل للفن الإسلامي.
دشنت قدوم الإسلام حقبة فنية جديدة، مؤكدة على الهندسة والخط العربي والزخارف، مما يعكس المبادئ الإسلامية ضد تمثيل الشخصيات في السياقات المقدسة. عبر الفترات الفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، برع الفن الإسلامي المصري في العمارة (المساجد والمدارس)، والفنون الزخرفية (الخزف، الأعمال المعدنية، النحت على الخشب)، وزخرفة المخطوطات الرائعة. تقف مدينة القاهرة التاريخية كشاهد حي على هذا التراث المعماري والفني الغني، حيث تعرض قروناً من الأساليب المتطورة والحرفية المتقنة.
نهضة الفن الحديث والمعاصر
شهد أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تحولاً كبيراً بتأثير الحركات الفنية الأوروبية وتأسيس التعليم الفني الرسمي في مصر. بدأ الفنانون في استكشاف وسائط وموضوعات جديدة، متجهين نحو الواقعية والبورتريه والرسم الطبيعي، وغالباً ما يكون ذلك بحس مصري مميز. وضع الرواد الأساس لمشهد فني مصري حديث سعى إلى التوفيق بين الاتجاهات العالمية والهوية المحلية.
كان منتصف القرن العشرين بوتقة لتعريف الهوية الفنية المصرية الحديثة. ظهرت حركات تفاعلت بنشاط مع القومية والتغير الاجتماعي والسعي وراء التعبير المصري الأصيل. تجاوزت مجموعات مثل «جماعة الفن والحرية» أو فنانون لاحقون يتصارعون مع الهوية بعد الاستعمار الحدود، فصنعوا أعمالاً تعكس تعقيدات المجتمع المصري الحديث، ممزوجين التقاليد الشعبية بأشكال تجريدية وتعبيرية.
بالتوازي مع الفنون البصرية، شهدت الفنون الأدائية في مصر عصراً ذهبياً. تطور المسرح المصري الحديث من الأشكال التقليدية ليصبح وسيلة قوية للتعليق الاجتماعي والانعكاس الثقافي، منتجاً العديد من الكتاب المسرحيين والممثلين البارزين. ازدهرت السينما بشكل خاص لتصبح حجر الزاوية في الثقافة العربية، حيث سيطرت الأفلام المصرية على الشاشات الإقليمية منذ منتصف القرن العشرين فصاعداً. ويستمر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كما ذكر، في هذا الإرث، ليكون منصة حيوية لعرض الأعمال السينمائية المصرية والعالمية الجديدة، وتعزيز الحوار، والاحتفال بالقوة الدائمة للرواية من خلال الفيلم.
التحديات والآفاق المستقبلية
تثير نظرة بسيوني الشاملة، بشكل ضمني، تساؤلات حول الحفاظ على هذا التراث الفني الواسع، والدعم المستمر للفنانين المعاصرين، ودور المؤسسات الثقافية في رعاية الأجيال القادمة. ويظل الحفاظ على التوازن بين الجدوى التجارية والنزاهة الفنية تحدياً للعديد من الأشكال الفنية.
على الرغم من هذه التحديات، فإن سرد الفن المصري هو قصة مرونة وتطور مستمر. تسعى المهرجانات والمعارض والمبادرات الثقافية جاهدة للحفاظ على حيوية الحوار الفني، مما يضمن أن صوت مصر الفني، سواء في القطع الأثرية القديمة أو التركيبات والأفلام المعاصرة المتطورة، يستمر في التردد عالمياً.
في جوهره، تُعد "حكاية الفن في مصر" لـمحمود بسيوني تذكيراً مقنعاً بأن الإبداع المصري هو خيط غير منقطع، ينسج عبر آلاف السنين من التاريخ، ويتكيف ويبتكر ويعكس باستمرار روح حضارة شكلت الثقافة الإنسانية بعمق.




