الكرة السعودية للناشئين: صعود جديد بعد 36 عاماً من إنجاز كأس العالم
بعد عقود من الترقب والشوق لتكرار الإنجازات الكروية التاريخية على مستوى الفئات السنية، عاد منتخب السعودية للناشئين ليُبعث الأمل في قلوب الجماهير، محققاً صعوداً ملحوظاً في عام 2025. هذا الظهور اللافت يأتي بعد مرور 36 عاماً على الإنجاز الأسطوري للمنتخب السعودي للناشئين الذي توج بلقب كأس العالم تحت 17 عاماً في عام 1989، مما أعاد إلى الأذهان ذكريات المجد الكروي وأثار التساؤلات حول قدرة الجيل الحالي على السير على خطى أسلافهم وترك بصمتهم الخاصة في تاريخ الكرة السعودية.

الخلفية: إنجاز 1989 التاريخي
يمثل فوز المنتخب السعودي بكأس العالم تحت 17 عاماً عام 1989 في أسكتلندا نقطة تحول ومنارة لا تزال تضيء تاريخ كرة القدم في المملكة. لم يكن هذا الفوز مجرد بطولة عابرة، بل كان إنجازاً غير مسبوق على مستوى القارة الآسيوية والعالم العربي بأكمله، حيث كان أول منتخب آسيوي وعربي يحرز لقباً عالمياً تنظمه الفيفا. هذا الجيل الذهبي، بقيادة المدرب البرازيلي نيلسون روسا، ضم نجوماً صاعدين أظهروا مهارات فنية عالية وروحاً قتالية استثنائية. من أبرز اللاعبين في ذلك التشكيل التاريخي كانت أسماء مثل عبد الله الدوسري وفهد المهلل وسعود الحمالي، الذين قدموا عروضاً مبهرة وتغلبوا على منتخبات عريقة في طريقهم نحو اللقب، بما في ذلك ألمانيا الغربية في المباراة النهائية التي حُسمت بركلات الترجيح بعد تعادل مثير.
ترك هذا الإنجاز بصمة عميقة في الذاكرة الوطنية، وعزز من مكانة كرة القدم كرياضة أولى في السعودية، وألهم أجيالاً متعاقبة من اللاعبين الصغار للحلم بتمثيل بلادهم على أكبر المحافل الدولية. لقد أثبت منتخب 1989 أن الإصرار والموهبة والتخطيط السليم يمكن أن يحقق المستحيل، ليظل مرجعاً للتفوق الكروي للناشئين في المملكة.
التطورات الأخيرة: جيل الأمل في 2025
في عام 2025، وبعد سنوات من العمل الدؤوب على مستوى الفئات السنية، بدأت تظهر ملامح جيل جديد من لاعبي الناشئين السعوديين يحملون آمالاً كبيرة. هذا الجيل، بقيادة جهاز فني متخصص، حقق مؤخراً نجاحات لافتة أعادته إلى صدارة المشهد الكروي للناشئين. من أبرز هذه الإنجازات كانت التأهل المستحق لبطولة كأس آسيا تحت 17 عاماً، وذلك بعد أداء قوي ومقنع في التصفيات، حيث أظهر اللاعبون الشبان قدرات فنية عالية وتكتيكية مميزة. كما تمكن الفريق من تحقيق انتصارات مهمة في مباريات ودية وتحضيرية ضد فرق آسيوية ودولية بارزة، مما يؤكد جاهزيته وقدرته على المنافسة على أعلى المستويات.
يعتمد الفريق الحالي على مجموعة من المواهب الصاعدة التي أظهرت نضجاً كروياً يفوق أعمارهم، مع لاعبين مثل أحمد الزهراني في خط الوسط، وياسين العتيبي المهاجم الواعد، وفيصل المالكي المدافع الصلب، الذين باتوا محط أنظار الكشافين والجمهور على حد سواء. تميز هذا الجيل باللعب الجماعي المنظم، والسرعة في الانتقال بين الدفاع والهجوم، والروح القتالية التي تذكر بخصائص جيل 1989.
العوامل الكامنة وراء النهضة الحالية
لا يأتي هذا الصعود المفاجئ من فراغ، بل هو نتاج استراتيجية واضحة وطويلة الأمد تبنتها الاتحاد السعودي لكرة القدم بالتعاون مع وزارة الرياضة والأندية. تضمنت هذه الاستراتيجية عدة محاور أساسية:
- الاستثمار في البنية التحتية: تطوير أكاديميات كرة القدم ومراكز التدريب المتخصصة للناشئين في مختلف مناطق المملكة، وتوفير أحدث المرافق والتقنيات التدريبية.
- برامج الكشف عن المواهب: إطلاق برامج واسعة النطاق للكشف عن المواهب في سن مبكرة جداً، والتركيز على اختيار اللاعبين ليس فقط على أساس المهارة الفنية، بل أيضاً على القدرات البدنية والذهنية.
- التأهيل الفني للمدربين: الاستعانة بخبرات أجنبية ومحلية متخصصة في تدريب الفئات السنية، وتوفير دورات تدريبية متقدمة للمدربين الوطنيين لضمان تطبيق أفضل الممارسات العالمية.
- المشاركة في البطولات الدولية: توفير فرص احتكاك قوية للاعبين من خلال المشاركة المنتظمة في بطولات ودية ورسمية على المستويين الإقليمي والدولي، لكسر حاجز الرهبة واكتساب الخبرة.
- الاهتمام بالجوانب الصحية والتعليمية: ضمان التوازن بين المسيرة الرياضية والتعليمية للاعبين، وتوفير الرعاية الصحية والنفسية اللازمة لدعم تطورهم الشامل.
الأهمية والتطلعات المستقبلية
يمثل صعود هذا الجيل الجديد من الناشئين أهمية قصوى للكرة السعودية. فهو لا يقتصر على إحياء ذكرى المجد القديم فحسب، بل يبعث الأمل في مستقبل مشرق للمنتخبات الوطنية بمختلف فئاتها، بما في ذلك المنتخب الأول. هذا النجاح يساهم في:
- تعزيز الثقة: يرفع معنويات الجماهير ويعيد الثقة في قدرة المواهب السعودية على المنافسة عالمياً.
- قاعدة للمستقبل: يوفر خزانة غنية باللاعبين الواعدين يمكن أن تغذي المنتخبات الوطنية في السنوات القادمة، مما يضمن استدامة النجاح.
- إلهام الشباب: يشجع المزيد من الأطفال والشباب على ممارسة كرة القدم والسعي نحو التميز الرياضي.
التحدي الأكبر الآن أمام هذا الجيل هو مواصلة التطور والنمو لتجنب أن يكون مجرد وميض عابر. الأنظار تتجه نحو أداء الفريق في بطولة كأس آسيا تحت 17 عاماً القادمة، حيث ستكون فرصة حقيقية لإثبات الذات والتأهل إلى كأس العالم تحت 17 عاماً، وهو الهدف الأسمى الذي سيضعهم حقاً على طريق تكرار إنجاز 1989، مع بناء مجدهم الخاص بهم. يجب أن يستمر الدعم والاهتمام بهذه الفئة العمرية لضمان تحويل هذه المواهب الشابة إلى نجوم قادرة على تمثيل المملكة على أعلى المستويات لعقود قادمة.
تؤكد هذه الصحوة الكروية للناشئين أن الاستثمار في الفئات السنية والتخطيط المستقبلي هما مفتاح النجاح المستدام في عالم كرة القدم. ومع استمرار هذا الزخم، تبدو آفاق الكرة السعودية أكثر إشراقاً، تحمل وعوداً بجيل جديد قد يعيد أمجاد "الأخضر" إلى الساحة العالمية.





