المرأة وقيادة الإبداع في الموضة: هل يتجاهل القطاع مساهماتها التاريخية؟
لطالما ارتبط عالم الموضة بالأناقة والابتكار، وشهد على مرّ العصور بصمات نسائية لا تُمحى، سواء في التصميم أو الريادة أو التأثير الثقافي. ومع ذلك، يبرز تساؤل جوهري حول التمثيل الحالي للمرأة في أوج القيادة الإبداعية داخل هذا القطاع. فبينما تُشكل النساء الأغلبية الساحقة من المستهلكين والمصممين والموظفين في صناعة الأزياء، إلا أن حضورهن في المناصب العليا، كمديرات إبداع للعلامات التجارية الفاخرة الكبرى، لا يزال محدودًا بشكل لافت، مما يطرح علامات استفهام حول وجود استبعاد غير مقصود، أو ربما متعمد، لمساهماتهن التاريخية وقدراتهن الابتكارية.

الخلفية التاريخية ودور المرأة الرائد
يمتد تاريخ المرأة في صناعة الأزياء لأكثر من قرن، حيث كانت رائدات مثل كوكو شانيل وجان لانفان وإلسا سكياباريلي من الشخصيات المحورية التي أعادت تعريف الموضة في القرن العشرين. لم يقتصر دور هؤلاء النساء على التصميم فحسب، بل كنّ سيدات أعمال ناجحات، ومبتكرات في التسويق، وصاحبات رؤى أثرت في حياة الملايين. فـ شانيل، على سبيل المثال، حررت المرأة من قيود الكورسيهات وقدمت الأزياء العملية والأنيقة. أما لانفان، فبنت إمبراطورية أزياء عالمية بدأت بملابس الأطفال وانتهت بفروع متعددة.
- كوكو شانيل: تُعد أيقونة في التحرر والجرأة، وأرست دعائم الأناقة البسيطة والعملية التي لا تزال تُشكل جزءًا أساسيًا من خزانة المرأة العصرية.
- إلسا سكياباريلي: تميزت بتصاميمها السريالية والتعاون مع فنانين مثل سلفادور دالي، مما دفع بحدود الإبداع في الأزياء إلى آفاق جديدة وغير متوقعة.
- جان لانفان: أسست أقدم دار أزياء فرنسية لا تزال قائمة، وعُرفت بتصاميمها الأنثوية الراقية واهتمامها بالتفاصيل الدقيقة.
- مادلين فيونيه: عُرفت ببراعتها في استخدام القص المائل الذي منح الأقمشة انسيابية وحركة لم يسبق لها مثيل، وغيرت طريقة تعامل المصممين مع النسيج.
هذه الرائدات لم يكن مجرد مصممات، بل كنّ قائدات غيرن وجه الصناعة، وأثبتن أن المرأة قادرة على قيادة الابتكار التجاري والفني على حد سواء.
واقع المناصب القيادية اليوم
على الرغم من هذا الإرث الغني، تُشير العديد من التقارير إلى استمرار التفاوت بين الجنسين في المناصب القيادية العليا. ففي حين أن كليات تصميم الأزياء تستقطب في الغالب طالبات، وعند التخرج تشكل النساء نسبة كبيرة من القوى العاملة في التصميم، إلا أن الترقية إلى مناصب المدير الإبداعي أو الرئيس التنفيذي في دور الأزياء الكبرى غالبًا ما تكون من نصيب الرجال. تُظهر الدراسات أن عدد النساء اللاتي يترأسن دور أزياء عالمية شهيرة لا يزال ضئيلاً مقارنة بالرجال، مما يعكس وجود «سقف زجاجي» غير مرئي يحد من تقدمهن في هذا القطاع.
تعيينات بارزة وتحديات مستمرة
في تطور لافت في السنوات الأخيرة، شهد القطاع بعض التعيينات البارزة التي أعطت بصيص أمل. من أبرز هذه التعيينات كان اختيار ماريا غراتسيا كيوري كمديرة إبداعية لدار ديور المرموقة في يوليو 2016. هذا التعيين كان لحظة تاريخية، حيث أصبحت أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ الدار العريق. تُشكل كيوري، من خلال عروضها التي تحمل رسائل نسوية قوية، رمزًا لإمكانية قيادة المرأة وتأثيرها. ومع ذلك، تظل هذه التعيينات بمثابة استثناءات وليست القاعدة. فعدد قليل من النساء استطعن اختراق هذا الحاجز، مما يُبرز أن الطريق لا يزال طويلاً لتحقيق التوازن المنشود.
تُعزى هذه الفجوة إلى عدة عوامل، منها التحيزات اللاواعية في عمليات التوظيف والترقية، وبقاء هياكل السلطة التقليدية التي قد تُفضل القيادات الذكورية، إضافة إلى التحديات المتعلقة بالموازنة بين الحياة المهنية والشخصية في قطاع يتسم بمتطلبات عمل مكثفة وضغوط عالية. كما قد تساهم قلة نماذج القيادات النسائية في المناصب العليا في صعوبة رؤية الشابات لأنفسهن في هذه الأدوار.
أهمية التنوع في الإبداع
إن مسألة تمثيل المرأة في قيادة الإبداع ليست مجرد قضية عدالة اجتماعية، بل هي ضرورة حيوية لاستمرارية الابتكار والتطور في عالم الموضة. فالتنوع في وجهات النظر والخبرات يُثري العملية الإبداعية، ويُمكن أن يُفضي إلى تصاميم أكثر شمولاً وابتكارًا وتوافقًا مع أذواق شريحة أوسع من المستهلكين. بما أن النساء هنّ المستهلك الأكبر للأزياء الفاخرة، فإن وجودهن في مواقع القرار يُمكن أن يُسهم في فهم أعمق لاحتياجاتهن ورغباتهن، مما ينعكس إيجابًا على المنتج النهائي وعلى أداء العلامات التجارية.
دعوات للتغيير وآفاق المستقبل
يُدرك القطاع، بشكل متزايد، أهمية معالجة هذا الخلل. تتزايد الدعوات لتبني سياسات أكثر شمولية في التوظيف والترقية، وتوفير فرص الإرشاد والتطوير المهني للنساء. كما أن تسليط الضوء على قصص نجاح النساء في أدوار قيادية يُمكن أن يُلهم الجيل القادم من المصممات. ومع استمرار النقاش حول هذا الموضوع، يظل التحدي قائمًا أمام صناعة الأزياء لكي تُترجم إرثها الغني بالتنوع والإبداع إلى واقع يعكسه في كل مستويات القيادة، لضمان مستقبل أكثر عدلاً وابتكارًا للجميع.



