المرشد الإيراني يصف الخلاف مع واشنطن بـ"الجوهري" ويضع ثلاثة شروط للتعاون
في تصريحات حديثة، أكد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، على الطبيعة العميقة والأساسية للخلاف بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية، مشددًا على أن أي تعاون مستقبلي مرهون بتحقيق واشنطن لثلاثة شروط أساسية. تعكس هذه التصريحات الموقف الإيراني الثابت الذي يرى أن التوترات تتجاوز كونها خلافات سياسية عابرة لتصل إلى مستوى الصراع الأيديولوجي والاستراتيجي.

خلفية الخلاف العميق بين طهران وواشنطن
يعود التوصيف الإيراني للخلاف مع الولايات المتحدة بأنه "جوهري" إلى جذور تاريخية عميقة تمتد منذ انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979. فمن وجهة نظر طهران، لم تقتصر سياسات واشنطن على فرض عقوبات اقتصادية قاسية، بل شملت محاولات مستمرة لعزل إيران دوليًا، ودعم خصومها الإقليميين، والتدخل في شؤونها الداخلية. ترى القيادة الإيرانية أن الهدف النهائي للسياسة الأمريكية هو تغيير النظام في طهران، وهو ما يجعل أي محاولة للتقارب محفوفة بالشكوك وانعدام الثقة. هذا الخلاف لا يتعلق بملف معين مثل البرنامج النووي فحسب، بل يمثل تصادمًا بين رؤيتين للعالم والنظام الإقليمي في الشرق الأوسط.
الشروط الإيرانية لاستئناف التعاون
حدد المرشد الأعلى الإيراني خارطة طريق واضحة لأي حوار أو تعاون محتمل مع الجانب الأمريكي، متضمنة شروطًا تهدف إلى ضمان مصالح إيران وتغيير سلوك واشنطن بشكل ملموس. ويمكن تلخيص هذه الشروط في النقاط التالية:
- الرفع الكامل والفوري للعقوبات: الشرط الأول والأكثر أهمية هو ضرورة قيام الولايات المتحدة برفع جميع العقوبات التي فرضتها على إيران، وليس فقط تلك المتعلقة بالاتفاق النووي. وتصر طهران على أن يكون هذا الرفع قابلاً للتحقق منه على أرض الواقع، بما يسمح لإيران بالعودة الكاملة إلى النظام المالي والتجاري العالمي.
- تقديم ضمانات بعدم التراجع: في ضوء تجربة الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الاتفاق النووي (JCPOA) في عام 2018، تطالب إيران بضمانات قوية وموثوقة بأن أي إدارة أمريكية مستقبلية لن تتنصل من التزاماتها مرة أخرى. يمثل هذا الشرط محاولة لمعالجة أزمة الثقة العميقة التي خلفها قرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
- وقف السياسات العدائية: يتجاوز الشرط الثالث الملف النووي ليشمل السياسة الأمريكية الأوسع في المنطقة. تطالب طهران بأن تتوقف واشنطن عن ما تصفه بـ"الأعمال العدائية" و"التدخل" في شؤون دول المنطقة، وهو ما يعكس رغبة إيران في إعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية بعيدًا عن النفوذ الأمريكي.
السياق الحالي وتأثيره على المفاوضات
تأتي هذه التصريحات في وقت حرج، حيث لا تزال الجهود الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي تواجه تحديات كبيرة. ورغم أن إدارة الرئيس جو بايدن أبدت رغبتها في العودة إلى الاتفاق، فإن المفاوضات غير المباشرة التي جرت في فيينا لم تحقق اختراقًا حاسمًا. تعمل تصريحات خامنئي كبوصلة توجه فريق التفاوض الإيراني، وتؤكد على أن طهران لن تقدم تنازلات جوهرية دون الحصول على مكاسب ملموسة ودائمة. كما أنها رسالة موجهة للداخل الإيراني بأن القيادة لن تفرط في المبادئ الأساسية للثورة مقابل تخفيف مؤقت للعقوبات.
الأهمية والتداعيات المستقبلية
تكمن أهمية هذه المواقف في أنها صادرة عن أعلى سلطة في إيران، مما يقطع الطريق على أي تكهنات بوجود مرونة كبيرة في الموقف الإيراني. توضح هذه الشروط أن الطريق نحو أي انفراجة في العلاقات الإيرانية الأمريكية لا يزال طويلاً ومعقدًا. بالنسبة للمجتمع الدولي، تعني هذه الشروط الصارمة أن الأزمة المحيطة بالبرنامج النووي الإيراني والتوترات الإقليمية قد تستمر ما لم يحدث تحول كبير في النهج الذي تتبعه واشنطن، وهو أمر يبدو مستبعدًا في ظل البيئة السياسية الحالية في الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن هذه التصريحات تعزز واقع استمرار حالة المواجهة الحذرة بين البلدين في المستقبل المنظور.





