المصير القانوني للفنان فضل شاكر: تطورات ما بعد تسليم نفسه المفترض
تتصدر قضية الفنان اللبناني السابق فضل شاكر، واسمه الحقيقي فضل عبد الرحمن شمندر، واجهة النقاشات القضائية والإعلامية في لبنان، خصوصًا مع تجدد الحديث عن احتمالية تسليمه نفسه للعدالة أو تزايد المطالبات بمحاسبته. بعد سنوات قضاها مختبئًا في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بمدينة صيدا، والذي يتمتع بوضع خاص خارج نطعة السيطرة الأمنية اللبنانية المباشرة، يظل مصير شاكر القانوني محاطًا بالغموض والتعقيد.

تُعد هذه القضية حساسة للغاية، لا سيما بالنظر إلى طبيعة التهم الموجهة إليه والأحكام القضائية الصادرة بحقه غيابيًا. إن فهم الوضع الحالي يتطلب الغوص في خلفيات القضية، التطورات القانونية، والتحديات التي تواجه إمكانية تطبيق العدالة في هذه الحالة.
خلفية القضية: من الشهرة إلى التورط العسكري
كان فضل شاكر في أوجه مجده الفني كنجم طربي كبير في العالم العربي، لكن مساره تغير بشكل جذري بعد عام 2011 مع انخراطه في تيار الشيخ السلفي المتشدد أحمد الأسير. هذا التحول قاده إلى التورط في أحداث عسكرية دامية هزت مدينة صيدا اللبنانية.
- أحداث عبرا (2013): شكلت اشتباكات عبرا التي وقعت في منطقة شرق صيدا خلال يونيو 2013 نقطة تحول حاسمة. دارت هذه الاشتباكات بين أنصار الأسير والجيش اللبناني، وأسفرت عن سقوط عدد من الضحايا، بينهم عسكريون. اتُهم فضل شاكر بالمشاركة في هذه الاشتباكات والتحريض على الجيش، وظهر في مقاطع فيديو أثارت جدلاً واسعًا وقتها.
 - التواري عن الأنظار: بعد انتهاء الاشتباكات وهزيمة جماعة الأسير، توارى شاكر عن الأنظار ولجأ إلى مخيم عين الحلوة، وهو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث يتمتع بوضع ذاتي الإدارة بموجب اتفاقيات سابقة، مما يحد من قدرة القوى الأمنية اللبنانية على الدخول إليه أو اعتقال المطلوبين بداخله.
 
الأحكام القضائية الصادرة غيابياً
خلال فترة اختبائه، أصدرت المحاكم اللبنانية عدة أحكام غيابية بحق فضل شاكر، مما يعكس خطورة التهم الموجهة إليه وثقل الملف القانوني الذي يواجهه.
- حكم الإعدام والسجن المؤبد: في ديسمبر 2017، أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة في لبنان حكمًا غيابيًا بإعدام أحمد الأسير وعدد من رفاقه، من بينهم فضل شاكر، في قضية أحداث عبرا التي أدت إلى مقتل 18 عسكريًا لبنانيًا. وفي قضية أخرى، حكمت عليه المحكمة العسكرية في نهاية عام 2020 بالسجن 15 عامًا مع الأشغال الشاقة وغرامة مالية بتهمة "تمويل جماعة الأسير المسلحة والإنفاق عليها".
 - تهم التجنيد والإرهاب: تضمنت الاتهامات الموجهة إليه "التحريض على الجيش اللبناني، تمويل مجموعات إرهابية، والانتماء إلى تنظيم مسلح يهدف لزعزعة الأمن". وتتراكم هذه الأحكام، مما يعني أن أي تسليم أو اعتقال لشاكر سيتبعه مباشرة تنفيذ لهذه العقوبات.
 
مخيم عين الحلوة: ملاذ أم حاجز للعدالة؟
لطالما شكل مخيم عين الحلوة تحديًا للسلطات اللبنانية في قضايا تسليم المطلوبين. يعيش فضل شاكر في هذا المخيم منذ عام 2013، وقد ظهر في بعض المقابلات التلفزيونية من داخله، مؤكدًا رغبته في العودة إلى حياته الطبيعية ونافياً تورطه المباشر في قتل الجنود، ومصرحًا بأنه يحمل السلاح للدفاع عن نفسه فقط.
يعيق الوضع الخاص للمخيم أي محاولة لاعتقاله بالقوة من قبل الجيش اللبناني، الأمر الذي يتطلب تنسيقًا مع الفصائل الفلسطينية داخل المخيم. وهذا التنسيق غالبًا ما يكون معقدًا ويصطدم باعتبارات سياسية وأمنية داخلية للمخيم.
سيناريوهات المصير القانوني بعد التسليم المفترض
في حال تسليم فضل شاكر نفسه، أو في حال تمكنت السلطات اللبنانية من اعتقاله، فإن مساره القانوني سيكون واضحًا ومعقدًا في آن واحد.
- تنفيذ الأحكام الغيابية: أولى الخطوات هي تنفيذ الأحكام الصادرة بحقه غيابيًا. بموجب القانون اللبناني، يحق للمحكوم عليه غيابيًا، بعد توقيفه، إعادة المحاكمة أمامه (ما يسمى بـ "المحاكمة الوجاهية").
 - إعادة المحاكمة والاستئناف: سيتم إعادة فتح الملفات القضائية المتعلقة به، وسيكون له الحق في تقديم دفاعه أمام المحكمة العسكرية. هذه العملية قد تستغرق سنوات طويلة وتتضمن عدة درجات من التقاضي، بدءًا من المحكمة العسكرية، وصولًا إلى محكمة الاستئناف ثم محكمة التمييز.
 - تأثير الشهادات والأدلة الجديدة: قد يؤدي ظهوره وتقديم شهادته المباشرة إلى إما تثبيت الأحكام السابقة أو تخفيفها بناءً على أدلة أو شهادات جديدة يمكنه تقديمها، وهو ما يراه محاموه فرصة لإثبات براءته أو تخفيف التهم.
 
لماذا تكتسب هذه القضية أهمية؟
تتجاوز أهمية قضية فضل شاكر كونه فنانًا سابقًا. إنها تعكس عدة جوانب حساسة في الواقع اللبناني:
- سيادة القانون: تمثل تحديًا لسيادة القانون اللبناني وقدرة الدولة على فرض سلطتها على جميع أراضيها، بما في ذلك المناطق التي تتمتع بوضع خاص مثل مخيمات اللاجئين.
 - العدالة للضحايا: بالنسبة لعائلات الجنود اللبنانيين الذين سقطوا في أحداث عبرا، فإن محاكمة شاكر هي مسألة عدالة لا يمكن التنازل عنها.
 - المصالحة الوطنية: يمكن أن يساهم حل هذه القضية في معالجة جروح سابقة وتخفيف التوتر في المشهد السياسي والأمني اللبناني.
 
في الأيام الأخيرة، تتجدد الضغوط والمطالبات بإنهاء هذا الملف، سواء عبر تسليم شاكر نفسه أو اتخاذ إجراءات قانونية لدفع هذا الملف نحو الحل. يظل مصيره القانوني معلقًا بين أحكام الماضي، تعقيدات الحاضر، وتحديات المستقبل، في انتظار قرار ينهي سنوات من التساؤلات.





