النفايات الإلكترونية: 62 مليار كيلوغرام سنوياً وتحديات التدوير والاستدامة العالمية
تُشكل النفايات الإلكترونية، أو ما يُعرف باسم «النفايات الصامتة»، واحدة من أسرع تدفقات النفايات نمواً على مستوى العالم، مثيرة قلقاً بيئياً واقتصادياً وصحياً متزايداً. ففي عام 2022 وحده، شهد الكوكب إنتاج ما يقرب من 62 مليار كيلوغرام من النفايات الإلكترونية، وهو رقم يُتوقع أن يرتفع بشكلٍ حاد ليصل إلى 82 مليار كيلوغرام بحلول عام 2030 إذا استمرت الاتجاهات الحالية. وتُشير تقارير حديثة، نُشرت في سياق اليوم العالمي للنفايات الإلكترونية في أكتوبر 2023، إلى أن أقل من 25% من هذه الكمية الهائلة يتم تدويرها بشكل رسمي، تاركة الغالبية العظمى في مدافن النفايات أو في أسواق غير رسمية، ما يُفاقم من تداعياتها السلبية.

تصاعد أزمة النفايات الإلكترونية: الأرقام والحقائق
تُعد النفايات الإلكترونية نتاجاً للاستهلاك المتزايد للأجهزة التكنولوجية الحديثة وقِصَر دورات حياتها. وتشمل هذه الفئة الواسعة كل ما يعمل بالكهرباء أو البطاريات، من الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة إلى الأجهزة المنزلية الكبيرة مثل الثلاجات والغسالات، وحتى المعدات الطبية ولوحات الطاقة الشمسية. ويُسلِّط «المرصد العالمي للنفايات الإلكترونية» الضوء بانتظام على الأرقام الصادمة، مبيناً أن المعدل الحالي لإنتاج النفايات الإلكترونية يُعادل وزن حوالي 1,550 ناقلة نفط عملاقة سنوياً، وهو ما يُمثّل دليلاً واضحاً على حجم التحدي.
الزيادة المطردة في هذه النفايات لا تعود فقط إلى النمو السكاني وارتفاع الدخل في العديد من المناطق، بل أيضاً إلى الابتكار التكنولوجي السريع الذي يدفع المستهلكين نحو تحديث أجهزتهم باستمرار، بالإضافة إلى استراتيجيات التصنيع التي لا تُراعي سهولة التدوير أو طول عمر المنتج.
التداعيات البيئية والصحية
تُعدّ النفايات الإلكترونية خطيرة نظراً لاحتوائها على مجموعة واسعة من المواد السامة التي تُشكّل تهديداً خطيراً للبيئة وصحة الإنسان. فالمواد مثل الرصاص والزئبق والكادميوم والكروم، والتي تُستخدم في تصنيع العديد من المكونات الإلكترونية، يُمكن أن تتسرب إلى التربة والمياه الجوفية والهواء عند التخلص منها بشكل غير صحيح. هذا التسرب يُدمّر النظم البيئية، ويُلوِّث مصادر المياه، ويُهدِّد التنوع البيولوجي.
أما على الصعيد الصحي، فإن التعرض لهذه المواد السامة يُمكن أن يُسبِّب مشاكل صحية خطيرة للعاملين في قطاع التدوير غير الرسمي، وللمجتمعات القريبة من مكبات النفايات. تشمل هذه المشاكل تلفاً عصبياً، واضطرابات في الجهاز التنفسي، ومشاكل في الكلى والكبد، وحتى آثاراً على الجهاز التناسلي. الأطفال، على وجه الخصوص، يُعدّون أكثر عرضة لتلك المخاطر بسبب ضعف أجهزتهم المناعية ونموهم المستمر.
الخسائر الاقتصادية وفرص التعافي
بالإضافة إلى الأضرار البيئية والصحية، تُسبِّب النفايات الإلكترونية خسائر اقتصادية فادحة. تُشير التقديرات إلى أن العالم يخسر ما يُقدّر بنحو 78 مليار دولار أميركي سنوياً من الموارد القابلة للاسترداد. تحتوي الأجهزة الإلكترونية القديمة على معادن ثمينة مثل الذهب والفضة والنحاس والبلاديوم، بالإضافة إلى معادن أرضية نادرة ضرورية للصناعات الحديثة. وتُعدّ هذه المعادن موارد محدودة، يتطلب استخراجها عمليات تعدين مُكلِفة ومُضرّة بالبيئة.
يُمثّل التدوير الفعال للنفايات الإلكترونية فرصة اقتصادية هائلة لإنشاء اقتصاد دائري يستعيد هذه الموارد الثمينة. فزيادة معدلات التدوير لا يُقلِّل فقط من الحاجة إلى استخراج المواد الخام، بل يُمكن أن يُساهم أيضاً في توفير فرص عمل خضراء، وتعزيز الابتكار في تقنيات التدوير، وضمان أمن الموارد للدول التي تُعاني من ندرة في هذه المواد.
جهود عالمية لمواجهة التحدي
إدراكاً لحجم الأزمة، تتضافر الجهود الدولية والمحلية لمواجهة تحدي النفايات الإلكترونية. يُشكل اليوم العالمي للنفايات الإلكترونية، الذي يُحتفى به في الرابع عشر من أكتوبر كل عام، مناسبة لزيادة الوعي العام بأهمية التدوير الصحيح وتأثير النفايات الإلكترونية. وتعمل منظمات دولية مثل الأمم المتحدة ومنتديات مثل «منتدى نفايات المعدات الكهربائية والإلكترونية» (WEEE Forum) على إصدار التقارير وتطوير المبادرات التي تهدف إلى تحسين جمع ومعالجة هذه النفايات.
تُطبّق العديد من الدول سياسات المسؤولية الموسعة للمنتج (EPR)، التي تُلزم المصنّعين بتحمل مسؤولية منتجاتهم طوال دورة حياتها، بما في ذلك جمعها وتدويرها في نهاية المطاف. كما تُشجع هذه الجهود على البحث والتطوير في تقنيات التدوير المتقدمة، وتصميم المنتجات لتكون أكثر سهولة في الإصلاح والتدوير، وأطول عمراً.
- تحسين البنية التحتية للجمع: ضرورة توفير نقاط جمع مريحة وفعالة للجمهور والشركات.
- تطوير تقنيات التدوير: الاستثمار في الابتكار لزيادة كفاءة استعادة المواد الخام وتقليل النفايات.
- تعزيز ثقافة الإصلاح وإعادة الاستخدام: تشجيع المستهلكين على إصلاح أجهزتهم بدلاً من استبدالها، ودعم الأسواق الثانوية للمنتجات المستعملة.
- تصميم المنتجات للاستدامة: دفع الشركات نحو تصميم أجهزة يسهل تفكيكها وتدويرها، وتقليل استخدام المواد الخطرة.
- توعية المستهلكين: حملات مستمرة لتثقيف الجمهور حول أهمية التخلص الآمن والمسؤول من الأجهزة الإلكترونية.
إن أزمة النفايات الإلكترونية تتطلب استجابة عالمية مُنسّقة ومتعددة الأوجه. فمن خلال التعاون بين الحكومات والصناعات والمستهلكين، يُمكننا تحويل هذا التحدي البيئي والاقتصادي الكبير إلى فرصة للنمو المستدام، والحفاظ على الموارد الثمينة، وحماية صحة الكوكب وسكانه للأجيال القادمة.





