في زيارة أجراها مؤخرًا إلى محافظة إربد، أكد وزير الإدارة المحلية، الوزير المصري، على الأهمية الكبيرة للبيوت التراثية في المدينة، واصفًا إياها بأنها منارات حقيقية للثقافة والفن، ومحركات أساسية للتنمية المحلية. جاءت هذه التصريحات ضمن جولة تفقدية للعديد من المشاريع الحيوية التي تهدف إلى تعزيز الموروث الثقافي والحضاري للمحافظة، وتسليط الضوء على إمكانياته في دفع عجلة الاقتصاد المحلي. وتعد مدينة إربد، بتاريخها العريق ومبانيها الأثرية، مركزًا غنيًا يمتلك مقومات فريدة لتحقيق هذه الرؤية.

خلفية تاريخية وأهمية إربد الثقافية
تزخر مدينة إربد، الواقعة شمال الأردن، بتاريخ غني يعود إلى آلاف السنين، وتعتبر من أقدم المدن المأهولة بالسكان في المنطقة. وتتميز المدينة بوجود عدد كبير من البيوت التراثية التي تعود إلى أواخر العهد العثماني وبدايات القرن العشرين، والتي تعكس أنماطًا معمارية فريدة وتفاصيل فنية تروي قصص حقب زمنية مضت. هذه البيوت ليست مجرد مبانٍ قديمة، بل هي جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية للمدينة وذاكرتها الجماعية، وتجسد إرثًا حضاريًا يستحق الحماية والاحتفاء. على مر السنين، شهدت هذه المباني مراحل مختلفة من الإهمال والتدهور، مما استدعى تدخلات جادة للحفاظ عليها وتأهيلها.
رؤية الوزير ودعوات الاستثمار في التراث
شدد الوزير المصري في تصريحاته على ضرورة تبني استراتيجية شاملة للاستفادة المثلى من هذه البيوت. فبدلاً من تركها عرضة للاندثار أو الهدم، يمكن تحويلها إلى مراكز ثقافية نابضة بالحياة، ومعارض فنية تستقطب الزوار، ومساحات إبداعية للفنانين والحرفيين. وأشار إلى أن هذه المشاريع لا تساهم فقط في حفظ التراث المعماري، بل توفر فرص عمل جديدة للشباب، وتنشط الحركة السياحية الداخلية والخارجية، وتضيف قيمة اقتصادية للمجتمع المحلي. كما دعا القطاع الخاص والمؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني إلى الشراكة مع الحكومة في هذه الجهود، مؤكداً أن الحفاظ على التراث مسؤولية جماعية.
ومن بين الأفكار المطروحة لتحقيق هذه الرؤية، تحويل بعض هذه البيوت إلى متاحف صغيرة تحكي قصة إربد وتراثها، أو استغلالها كورش عمل لتعليم الحرف التقليدية والفنون المحلية، أو حتى فنادق تراثية ومقاهٍ تقدم تجربة ثقافية فريدة للزوار. وأكد الوزير أن الحكومة مستعدة لتقديم الدعم والتسهيلات اللازمة للمستثمرين الذين يرغبون في المساهمة في هذه المبادرات، مشدداً على أهمية وضع خطط مستدامة تضمن استمرارية هذه المشاريع ونجاحها على المدى الطويل.
الأثر المتوقع والآفاق المستقبلية
تتجاوز أهمية الحفاظ على البيوت التراثية في إربد الجانب المعماري لتشمل أبعادًا ثقافية واجتماعية واقتصادية عميقة. فمن الناحية الثقافية، تساهم هذه المباني في تعزيز الانتماء والهوية الوطنية، وتوفر جسرًا يربط الأجيال الحالية بجذورها التاريخية. كما أنها تتيح منصات جديدة للتبادل الثقافي والإبداع الفني، مما يثري المشهد الثقافي للمدينة والبلاد بشكل عام.
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن مشاريع ترميم وتأهيل البيوت التراثية تعد محفزًا قويًا للسياحة الثقافية، التي تعتبر قطاعًا واعدًا في الأردن. فاجتذاب السياح إلى هذه المواقع التاريخية يترتب عليه انتعاش في قطاعات الضيافة والمطاعم والحرف اليدوية المحلية، مما يعود بالنفع على الأسر والأفراد في إربد. وتوقع خبراء أن تسهم هذه المبادرات في وضع إربد على خريطة السياحة الثقافية الإقليمية والدولية بشكل أكبر، خاصة مع تزايد الاهتمام العالمي بالتراث العمراني والاستدامة.
في الختام، تعكس دعوة الوزير المصري للاستفادة من البيوت التراثية في إربد رؤية استراتيجية تهدف إلى تحويل التحديات التي يواجهها هذا الإرث إلى فرص للنمو والتطوير. فبتحويل هذه المباني القديمة إلى منارات ثقافية وفنية، يمكن لإربد أن تعزز مكانتها كمركز حضاري نابض بالحياة، وتضرب مثالاً يحتذى به في الموازنة بين الحفاظ على الأصالة والتطلع نحو المستقبل.




