اليابان: هرم يوناجوني البحري يواصل إثارة الجدل حول أصوله وعمره الأقدم من أهرامات الجيزة
تُعدّ التكوينات الصخرية الغامضة المعروفة باسم هرم يوناجوني البحري، الواقعة قبالة سواحل جزيرة يوناجوني في أرخبيل ريوكيو الياباني، أحد أكثر الألغاز الأثرية إثارةً للجدل في العالم. منذ اكتشافها في منتصف الثمانينيات، ألهبت هذه الهياكل الضخمة تحت الماء خيال الباحثين والجمهور على حد سواء، وتسببت في انقسام حاد بين العلماء حول ما إذا كانت بقايا حضارة قديمة غارقة، أو مجرد نتيجة لعمليات جيولوجية طبيعية فريدة. يرى المؤيدون لنظرية المنشأ البشري أن هذه التكوينات قد تكون أقدم بكثير من أهرامات الجيزة المصرية الشهيرة، مما يضع تحديًا كبيرًا للفهم التقليدي لتاريخ الحضارة الإنسانية.

خلفية الاكتشاف والوصف الأولي
تم اكتشاف معلم يوناجوني لأول مرة في عام 1986 على يد الغواص كيهاتشيرو أراتاكي، الذي لاحظ وجود هياكل صخرية ذات أشكال هندسية غير عادية أثناء استكشافه قاع البحر قبالة الساحل الجنوبي لجزيرة يوناجوني. سرعان ما لفتت هذه الاكتشافات انتباه العلماء ووسائل الإعلام، خاصةً بعد أن قام عالم الجيولوجيا البحرية ماسآكي كيمورا من جامعة ريوكيو بالتحقيق فيها بشكل مكثف على مدار عقود.
تتكون هذه التكوينات من كتل صخرية كبيرة من الحجر الرملي والطين، وتشمل ما يُشبه المصاطب المتدرجة، والمنحدرات المستقيمة، والزوايا القائمة، بالإضافة إلى هياكل تبدو وكأنها طرق وجدران ونقوش. يقدر ارتفاع الهيكل الرئيسي بحوالي 27 متراً، وتمتد على طول يبلغ حوالي 183 متراً وعرض 46 متراً. تقع هذه التكوينات على عمق يتراوح بين 5 إلى 40 متراً تحت سطح البحر، وتظهر عليها ميزات معقدة مثل الأدراج الواسعة والمنصات المسطحة والممرات المتقاطعة، مما يذكر بالمعابد القديمة أو الأهرامات.
الجدل الدائر: طبيعي أم من صنع الإنسان؟
يدور الجدل الرئيسي حول معلم يوناجوني حول طبيعة هذه الهياكل: هل هي من صنع الإنسان أم أنها نتاج طبيعي؟ ينقسم العلماء والخبراء إلى معسكرين رئيسيين، لكل منهما أدلته وحججه.
نظرية المنشأ البشري
يُعد البروفيسور ماسآكي كيمورا من أبرز المدافعين عن فرضية أن هرم يوناجوني من صنع الإنسان. يستند كيمورا وفريقه إلى العديد من الملاحظات التي تشير إلى التدخل البشري، منها:
- الانتظام الهندسي المذهل: يرى المؤيدون أن الخطوط المستقيمة والزوايا القائمة والمصاطب المتدرجة لا يمكن أن تكون مجرد مصادفة طبيعية في هذا النطاق الواسع.
- وجود علامات تشبه الأدوات: يزعم كيمورا أنه عثر على علامات حفر ونحت على الصخور، والتي لا يمكن تفسيرها بالتعرية الطبيعية.
- وجود هياكل مميزة: تشمل هذه الهياكل ما يشبه الطرق الدائرية، وجدران واقية، ودرج عملاق، بالإضافة إلى رسومات ومنحوتات بسيطة لحيوانات ورموز غير مفهومة.
- التقدير الزمني: بناءً على مستويات سطح البحر القديمة والتغيرات الجيولوجية، يقدر كيمورا أن هذه الهياكل قد تكون قد غرقت منذ حوالي 8,000 إلى 10,000 عام مضت، وهو ما يجعلها أقدم بكثير من أهرامات الجيزة التي يعود تاريخها إلى حوالي 4,500 عام. هذا التقدير يدعم فكرة وجود حضارة متقدمة غير معروفة سلفًا في المنطقة.
يعتقد أنصار هذه النظرية أن هرم يوناجوني قد يكون جزءًا من مدينة غارقة تعود لحضارة مو الأسطورية أو حضارة لمورية، مما يستدعي إعادة تقييم جذرية للتاريخ البشري وتطور الحضارات القديمة.
نظرية التكوين الطبيعي
في المقابل، يجادل العديد من الجيولوجيين وعلماء الآثار، ومن أبرزهم روبرت شوتش من جامعة بوسطن، بأن هرم يوناجوني هو تكوين طبيعي تمامًا. تستند حجتهم إلى ما يلي:
- طبيعة الصخور: تتكون التكوينات من الحجر الرملي والطين، وهي أنواع من الصخور معروفة بكسرها بشكل طبيعي على طول مستويات مستقيمة ومتوازية، وغالبًا ما تنتج زوايا حادة وميزات مربعة أو مستطيلة نتيجة للتعرية والتجوية وعوامل التعرية تحت الماء.
- العمليات الجيولوجية: المنطقة تقع في حزام زلزالي نشط، وتتعرض لحركات تكتونية قوية، والتي يمكن أن تسبب تشققات وتصدعات منتظمة في الصخور. كما أن التيارات البحرية القوية وعوامل المد والجزر والتعرية تحت الماء يمكن أن تشكل هذه الكتل الصخرية بمرور الوقت.
- أمثلة طبيعية مشابهة: يشير المعارضون إلى وجود تكوينات صخرية طبيعية أخرى حول العالم، مثل ممر العمالقة في أيرلندا، والتي تظهر أنماطًا هندسية مذهلة دون تدخل بشري.
- غياب الأدوات والآثار البشرية الواضحة: يرى المنتقدون أن أي علامات تُفسر على أنها تدخل بشري هي مجرد تكوينات طبيعية أو علامات تعرية، وأنه لا توجد أدلة قاطعة مثل القطع الأثرية أو البنية التحتية للمدينة التي تدعم وجود حضارة.
أهمية الاكتشاف ومكانته في النقاش العلمي
بغض النظر عن أصوله الحقيقية، يظل هرم يوناجوني البحري ذا أهمية علمية وثقافية كبيرة. إنه يمثل تحديًا لعلماء الجيولوجيا والآثار لدراسة التكوينات الطبيعية والبشرية تحت الماء، ويدفعهم لإعادة تقييم طرقهم في التمييز بينهما. كما أنه يغذي النقاشات حول الحضارات المفقودة والتاريخ القديم للبشرية، ويشجع على إجراء المزيد من الأبحاث والاستكشافات البحرية.
يمثل يوناجوني نقطة جذب للغواصين والمهتمين بالألغاز التاريخية، وقد ألهم العديد من الكتب والأفلام الوثائقية. إنه يجسد الروح البشرية في البحث عن الإجابات والتساؤل عن حدود معرفتنا بتاريخنا وكوكبنا.
الموقف الرسمي والمستقبل
على الرغم من الجدل الواسع والاهتمام الشعبي، فإن وكالة الشؤون الثقافية اليابانية والعديد من المؤسسات الأثرية والجيولوجية الرسمية لا تعترف بمعلم يوناجوني حاليًا على أنه بناء من صنع الإنسان. غالبًا ما يُشار إليه رسميًا باسم «تشكيل يوناجوني تحت سطح البحر» (Yonaguni Submarine Topography)، مع بقاء طبيعته كبناء بشري مجرد نظرية تحتاج إلى المزيد من الأدلة القاطعة. هذا لا يمنع من استمرار الدراسات والتحقيقات غير الرسمية، ومع كل غوصة جديدة في مياه يوناجوني، تتجدد التساؤلات والآمال في الكشف عن سر هذا الهيكل الغامض، الذي يواصل تحدي فهمنا لما هو ممكن في عالم ما قبل التاريخ.





