تاريخ السرقات في متحف اللوفر: من الموناليزا إلى مجوهرات عصر نابليون
مرة أخرى، يجد متحف اللوفر، أحد أشهر المتاحف في العالم، نفسه في قلب عاصفة إعلامية بعد تعرضه لعملية سطو جريئة. ففي صباح يوم الأحد، 19 أكتوبر 2025، تمكنت مجموعة من اللصوص من سرقة مجموعة نادرة من المجوهرات التي تعود إلى عصر نابليون، في عملية لم تستغرق سوى سبع دقائق، مما أثار مجددًا تساؤلات جدية حول فعالية الإجراءات الأمنية في حماية الكنوز الفنية التي لا تقدر بثمن.

تفاصيل السرقة الأخيرة
وفقًا للمعلومات الأولية الصادرة عن السلطات الفرنسية، استغل الجناة فترة زمنية وجيزة خلال الساعات الأولى من الصباح، مستهدفين جناحًا يضم معرضًا مؤقتًا لمقتنيات الإمبراطورية الفرنسية الأولى. القطع المسروقة تشمل قلائد وأقراطًا مرصعة بالأحجار الكريمة، كانت جزءًا من مجموعة خاصة معارة للمتحف. وتشير التحقيقات إلى أن اللصوص أظهروا معرفة دقيقة بتصميم المتحف وتوقيتات دوريات الحراسة، مما يرجح وجود تخطيط مسبق ومحكم. وقد باشرت الشرطة تحقيقًا واسع النطاق، وسط تكتم شديد حول قيمة المسروقات، التي يقدرها الخبراء بملايين اليوروهات.
سجل حافل بالجرائم: لم تكن المرة الأولى
هذه الحادثة الأخيرة ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من السرقات ومحاولات السطو التي استهدفت متحف اللوفر على مر تاريخه الطويل. فبفضل مجموعته الفنية الهائلة التي تضم أكثر من 380 ألف قطعة، ومكانته كأيقونة ثقافية عالمية، ظل المتحف هدفًا رئيسيًا للصوص الفن ومجرمي العالم السفلي. وتتنوع هذه الوقائع بين عمليات سطو احترافية وسرقات نفذها أشخاص عاديون استغلوا ثغرات أمنية مؤقتة.
أشهر هذه السرقات وأكثرها رسوخًا في الذاكرة الجماعية هي بلا شك سرقة لوحة الموناليزا. في عام 1911، قام عامل إيطالي يدعى فينشنزو بيروجيا، كان يعمل في المتحف، بإخفاء اللوحة تحت معطفه والخروج بها ببساطة بعد انتهاء دوامه. ظل مصير اللوحة مجهولًا لمدة عامين، مما أحدث ضجة عالمية غير مسبوقة، وانتهى الأمر بالعثور عليها في إيطاليا وإعادتها إلى باريس عام 1913. هذه الحادثة لم تكشف فقط عن مدى هشاشة الأنظمة الأمنية في ذلك الوقت، بل ساهمت أيضًا في تعزيز شهرة اللوحة بشكل أسطوري.
على مر العقود، وقعت حوادث أخرى تركت بصمتها، ومن أبرزها:
- في فترة الثمانينيات، سُرقت عدة قطع أثرية مصرية صغيرة من أحد الأقسام الأقل حراسة في المتحف، ولم يتم استرداد معظمها حتى اليوم.
- شهدت فترة التسعينيات حادثة غريبة، حيث تمكن لص من سرقة مجموعة من العملات المعدنية والتماثيل الصغيرة، وعُثر عليها لاحقًا بالصدفة عندما حاول بائع مقتنيات مسروقة عرضها للبيع وهي لا تزال في كيس ورقي عادي، مما كشف عن الجرأة واللامبالاة التي يتسم بها بعض المجرمين.
- في عام 2004، تعرضت لوحة للفنان جان أوغست دومينيك آنغر للسرقة من معرض كان اللوفر قد أعارها له في مدينة أخرى، مما سلط الضوء على المخاطر التي تواجه الأعمال الفنية حتى خارج أسوار المتحف.
تساؤلات حول الإجراءات الأمنية
تطرح سرقة مجوهرات نابليون الأخيرة تساؤلات ملحة حول مدى كفاية الأنظمة الأمنية الحديثة في اللوفر. فعلى الرغم من استثمار المتحف في أحدث التقنيات، من أجهزة استشعار الحركة والكاميرات عالية الدقة إلى الفرق الأمنية المدربة، إلا أن هذه الحادثة تثبت أنه لا يوجد نظام منيع تمامًا. يرى خبراء الأمن أن التحدي الأكبر يكمن في المساحة الشاسعة للمتحف وتعدد مداخله ومخارجه، بالإضافة إلى العامل البشري الذي يظل نقطة الضعف الرئيسية في أي منظومة أمنية. الحادثة الأخيرة ستدفع إدارة اللوفر والمؤسسات الثقافية الكبرى حول العالم إلى إعادة تقييم بروتوكولاتها الأمنية لمواجهة التهديدات المتطورة والمتجددة التي تستهدف التراث الثقافي الإنساني.




