في تطور حديث بتاريخ 15 مايو 2024، أعلنت شركتا AST SpaceMobile وفيريزون (Verizon) عن توقيع اتفاقية استراتيجية رائدة تهدف إلى توفير خدمة الإنترنت الفضائي الخلوي المباشر للهواتف الذكية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. تعتبر هذه الشراكة نقطة تحول محورية في قطاع الاتصالات، حيث تعد بتوسيع نطاق التغطية الخلوية لتشمل المناطق النائية والريفية التي تعاني حاليًا من نقص أو انعدام في الخدمة، وذلك دون الحاجة إلى أجهزة استقبال خاصة.

تجسد هذه الخطوة التزام الشركتين بسد الفجوة الرقمية وتمكين الملايين من الوصول إلى اتصالات موثوقة وعالية السرعة، مما يمهد الطريق لعصر جديد من الاتصال العالمي غير المنقطع.
التحدي والحاجة للإنترنت الفضائي
لطالما شكلت الفجوة في التغطية الخلوية تحديًا كبيرًا في الولايات المتحدة، حيث لا يزال ملايين الأشخاص في المناطق الريفية والنائية والمحميات الطبيعية يعيشون في ما يُعرف بـ "مناطق الموت" للشبكات الخلوية. هذه المناطق، التي يصعب أو يستحيل الوصول إليها بواسطة البنية التحتية الأرضية التقليدية، تُحرم من خدمات الاتصال الأساسية التي أصبحت ضرورية للحياة اليومية، من التعليم والرعاية الصحية عن بُعد إلى الأعمال التجارية وخدمات الطوارئ.
تقليديًا، كانت الحلول البديلة تشمل استخدام الهواتف الفضائية المتخصصة أو أجهزة الإنترنت الفضائي التي تتطلب أطباقًا وهوائيات، وهي حلول مكلفة وغير عملية للمستخدم العادي. ومن هنا برزت الحاجة المُلحة لتقنية تسمح للهواتف الذكية القياسية بالاتصال مباشرة بالأقمار الصناعية.
تفاصيل الشراكة الاستراتيجية
تعتبر الاتفاقية بين AST SpaceMobile وفيريزون هي الأهم في تاريخ AST SpaceMobile حتى الآن، وتأتي في إطار سعي فيريزون لتعزيز شبكتها وتقديم خدمات مبتكرة. بموجب هذه الشراكة، ستعمل AST SpaceMobile، المتخصصة في تكنولوجيا الاتصالات الفضائية، على نشر شبكة من أقمارها الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض (LEO) التي تتمتع بقدرة فريدة على الاتصال المباشر بالهواتف الذكية. وستقوم فيريزون بدمج هذه الخدمة ضمن عروضها لعملائها، مما يوفر لهم تغطية واسعة وموثوقة حتى في أبعد النقاط.
تشمل الاتفاقية استخدام فيريزون لقدرات الاتصال من الفضاء إلى الهاتف التي توفرها أقمار AST SpaceMobile الصناعية، والتي صُممت لتقديم سرعات إنترنت عريضة النطاق للجيل الثاني (2G) والثالث (3G) والرابع (4G) والخامس (5G) مباشرةً إلى الهواتف المحمولة غير المعدلة. هذا يعني أن المستخدمين لن يحتاجوا إلى شراء هواتف جديدة أو أجهزة إضافية للاستفادة من الخدمة.
يُشار إلى أن AST SpaceMobile قد وقعت أيضًا اتفاقيات مماثلة مع شركات اتصالات عالمية أخرى، بما في ذلك AT&T في الولايات المتحدة، مما يؤكد على أهمية وجدوى هذه التكنولوجيا ويزيد من التنافسية في هذا القطاع الناشئ.
التقنية وراء خدمة الإنترنت المباشر للهاتف
تعتمد تقنية AST SpaceMobile على أقمار صناعية ضخمة تُعرف باسم "BlueBird"، والتي تعمل على ارتفاعات منخفضة في المدار الأرضي. يتميز القمر الصناعي التجريبي BlueWalker 3، الذي أُطلق سابقًا، بكونه أكبر هوائي تجاري يُنشر في المدار، وقد أثبت بنجاح قدرته على إجراء مكالمات صوتية ونقل بيانات النطاق العريض مباشرةً إلى الهواتف الذكية القياسية.
على عكس أنظمة الإنترنت الفضائي التقليدية مثل ستارلينك، التي تتطلب أطباق استقبال خاصة، فإن حل AST SpaceMobile مصمم ليعمل بسلاسة مع البنية التحتية الخلوية الحالية ومشتركيها. توفر هذه الأقمار الصناعية تغطية واسعة، حيث يمكن لكل قمر صناعي أن يغطي مساحة جغرافية شاسعة، مما يقلل من عدد الأبراج الأرضية المطلوبة ويسهل توسيع التغطية في المناطق الصعبة.
الهدف هو توفير خدمة قادرة على دعم الصوت والرسائل النصية والبيانات، مما يجعلها حلاً شاملاً للمشكلات المتعلقة بالتغطية. ومن المتوقع أن تبدأ الخدمة التجارية الأولية في مناطق محددة، مع خطط للتوسع التدريجي على نطاق أوسع.
الأثر والتداعيات المحتملة
تُعد هذه الشراكة بمثابة قفزة نوعية تحمل تداعيات عميقة على عدة مستويات:
- سد الفجوة الرقمية: ستوفر الاتصالات الأساسية للمجتمعات المحرومة، مما يفتح أبوابًا جديدة للتعليم والعمل عن بُعد والرعاية الصحية الرقمية.
- الأمان العام والطوارئ: ستوفر شبكة احتياطية حيوية في حالات الكوارث الطبيعية أو انقطاع الشبكات الأرضية، مما يضمن قدرة خدمات الطوارئ على التواصل ويحمي الأرواح.
- النمو الاقتصادي: ستخلق فرصًا اقتصادية جديدة في المناطق الريفية من خلال تمكين الشركات الصغيرة ورجال الأعمال من الاتصال بالعالم الرقمي.
- تعزيز المنافسة: ستزيد هذه الخطوة من المنافسة في سوق الاتصالات، مما قد يدفع شركات أخرى إلى الاستثمار في حلول مماثلة، وربما يؤدي إلى خفض التكاليف وتحسين الخدمات للمستهلكين.
- القيادة التكنولوجية: تعزز هذه الشراكة مكانة الولايات المتحدة كمركز للابتكار في تكنولوجيا الاتصالات الفضائية.
التوقعات والخطوات القادمة
من المتوقع أن يتبع إطلاق الخدمة التجارية لـ AST SpaceMobile وفيريزون جدولًا زمنيًا متعدد المراحل. في البداية، قد تركز الخدمات على توفير التغطية الأساسية للصوت والرسائل النصية، تليها خدمات البيانات ذات النطاق العريض مع نشر المزيد من أقمار "BlueBird" الصناعية.
على المدى الطويل، تطمح AST SpaceMobile إلى إنشاء شبكة عالمية توفر تغطية مستمرة في كل مكان على الكوكب، مما يمثل تحولًا جذريًا في كيفية اتصال البشرية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تتمثل في الحفاظ على جودة الخدمة، وتوسيع نطاق الأقمار الصناعية، والتأكد من الامتثال التنظيمي في مختلف المناطق. هذه الشراكة مع فيريزون تمثل خطوة عملاقة نحو تحقيق هذا الطموح، وتضع الأساس لمستقبل يتم فيه الوصول إلى الإنترنت من أي مكان وفي أي وقت.





