تحذيرات من بيع الذهب في ظل انخفاض الأسعار ووفرة المعروض
شهد سوق الذهب في مصر تطورات ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، تمثلت في انخفاض ملموس في الأسعار، مما أثار حالة من الجدل والقلق بين حائزي المعدن الأصفر. وفي هذا السياق، برزت تحذيرات من شخصيات إعلامية واقتصادية، أبرزها ما صدر عن الإعلامي يوسف الحسيني، الذي نصح المواطنين بالتمهل وتجنب البيع العشوائي للذهب. ويأتي هذا التحذير بالتزامن مع تراجع سعر جرام الذهب من عيار 21، الأكثر تداولاً في مصر، والذي سجل انخفاضاً وصل إلى 125 جنيهاً في تعاملات يوم الاثنين الموافق 27 أكتوبر 2025، مما يسلط الضوء على ديناميكيات العرض والطلب التي تحكم السوق حالياً.

تفاصيل التحذير من البيع الجماعي
تستند الدعوات لعدم بيع الذهب في الوقت الحالي إلى منطق اقتصادي بسيط يتعلق بالعرض والطلب. يرى خبراء، ومن بينهم يوسف الحسيني، أن إقدام عدد كبير من الأفراد على بيع مدخراتهم من الذهب بشكل متزامن يخلق ما يُعرف بـ "وفرة في المعروض" داخل السوق المحلي. عندما يزداد المعروض من سلعة ما بشكل يفوق حجم الطلب عليها، فإن نتيجتها الحتمية هي انخفاض سعرها. وعليه، فإن البيع الجماعي لا يؤدي فقط إلى تحقيق خسائر للبائعين الذين اشتروا بأسعار أعلى، بل يساهم أيضاً في زيادة وتيرة الهبوط، مما يفاقم من الخسائر المحتملة للجميع.
التحذير يهدف إلى منع ما يسمى بـ "البيع بدافع الهلع" (Panic Selling)، حيث يتخذ المستثمرون الصغار قرارات متسرعة بناءً على الخوف من استمرار انخفاض الأسعار، دون النظر إلى العوامل الأساسية طويلة الأجل التي تجعل من الذهب مخزناً للقيمة. وينصح الخبراء بالنظر إلى الذهب كاستثمار طويل الأجل للحماية من التضخم وتقلبات العملة، وليس كأداة للمضاربة قصيرة الأجل.
أسباب الانخفاض الحالي في أسعار الذهب
لم يأتِ الانخفاض الأخير في أسعار الذهب من فراغ، بل كان نتيجة لتضافر عدة عوامل محلية ودولية ساهمت في تصحيح مسار الأسعار بعد فترة من الارتفاعات القياسية. يمكن تلخيص أبرز هذه العوامل في النقاط التالية:
- استقرار سعر الصرف: شهد الجنيه المصري حالة من الاستقرار النسبي أمام الدولار الأمريكي بعد إجراءات اقتصادية حكومية، مما قلل من الضغط على أسعار الذهب التي ترتبط تسعيرتها محلياً بتكلفة توفير العملة الصعبة.
- المبادرات الحكومية لزيادة المعروض: لعبت مبادرة السماح للمصريين العائدين من الخارج بإدخال الذهب دون رسوم جمركية دوراً محورياً في زيادة كمية الذهب الخام المتاحة في السوق. هذه الزيادة في المعروض ساهمت بشكل مباشر في تخفيف الضغط على الأسعار ودفعها نحو الانخفاض.
- تراجع الطلب المحلي: بعد موجة إقبال كبيرة على شراء الذهب كوعاء ادخاري آمن، شهدت الفترة الأخيرة هدوءاً نسبياً في الطلب من قبل المواطنين، سواء لغرض الاستثمار أو الزينة، مما أتاح للأسعار فرصة للتراجع.
- تأثير الأسعار العالمية: تتأثر السوق المحلية بشكل مباشر بسعر أونصة الذهب في البورصات العالمية. أي تراجع في السعر العالمي ينعكس تلقائياً على الأسعار في السوق المصرية، وقد شهدت الأسعار العالمية بعض التراجعات مؤخراً.
السياق الاقتصادي وأهمية الخبر
تكتسب هذه التطورات أهميتها من كون الذهب يمثل مكوناً رئيسياً في مدخرات شريحة واسعة من الأسر المصرية. ففي أوقات عدم اليقين الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم، يلجأ الكثيرون إلى تحويل أموالهم إلى ذهب للحفاظ على قيمتها. الفترة الماضية شهدت إقبالاً تاريخياً على الشراء بأسعار مرتفعة، وهو ما يجعل الانخفاض الحالي مقلقاً لمن اشتروا عند تلك القمم السعرية. إن فهم أسباب هذا التراجع والتعامل معه بحكمة يمثل ضرورة لتجنب اتخاذ قرارات قد تؤدي إلى خسائر مالية كبيرة. التحذيرات الحالية ليست مجرد آراء إعلامية، بل هي انعكاس لقراءة فنية للسوق تهدف إلى حماية صغار المدخرين من تقلبات الأسعار الحادة وتشجيع النظرة الاستثمارية طويلة الأمد.





