تحقيق في اغتيال مدونة ليبية رمياً بالرصاص في طرابلس
شهدت العاصمة الليبية طرابلس مطلع يناير 2024 حادثة اغتيال مروعة استهدفت مدونة ليبية شهيرة، مما أثار موجة واسعة من الاستنكار ودفع السلطات لفتح تحقيق عاجل في ملابسات الواقعة. الضحية، وهي سهير الحاتمي، المعروفة على نطاق واسع في الأوساط الرقمية باسم أم نادر، وجدت مقتولة داخل منزلها بعد تعرضها لإطلاق نار متعدد.

أعلنت الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية عن اكتشاف جثة المدونة في منزلها الكائن بمنطقة عين زارة جنوب طرابلس، حيث أشارت التقارير الأولية إلى أنها فارقت الحياة متأثرة بجروح بالغة ناجمة عن طلقات نارية. على الفور، باشرت النيابة العامة تحقيقاتها المكثفة، ووجهت بجمع الأدلة الجنائية والاستماع إلى الشهود، في محاولة للكشف عن هوية الجناة ودوافعهم وراء هذه الجريمة النكراء.
خلفية المدونة ومحتواها
كانت سهير الحاتمي شخصية بارزة على منصات التواصل الاجتماعي في ليبيا، حيث حظيت بمتابعة كبيرة بفضل محتواها الذي كان يمزج بين يومياتها الشخصية كربة منزل، وتناولها لقضايا اجتماعية واقتصادية تلامس حياة الليبيين اليومية. غالبًا ما كانت فيديوهاتها تتضمن تعليقات جريئة حول الأوضاع المعيشية الصعبة، التحديات التي تواجه المرأة الليبية، وأحيانًا انتقادات مبطنة للواقع العام. هذا المحتوى، ورغم شعبيته، جعلها في بعض الأحيان عرضة للانتقادات والتهديدات.
يُذكر أن المدونة كانت قد أبلغت في مناسبات سابقة عن تعرضها لتهديدات، وحتى أنباء عن هجوم سابق استهدف منزلها، مما يشير إلى أنها ربما كانت مستهدفة بسبب آرائها أو ظهورها العام. هذه الخلفية تزيد من تعقيد التحقيق وتثير تساؤلات حول مدى حرية التعبير والأمان الشخصي في ليبيا.
التحقيقات الرسمية وردود الفعل
تعهد مكتب النائب العام بمتابعة القضية بكل جدية لتقديم الجناة للعدالة. وتعمل الفرق الأمنية على تحليل الأدلة الرقمية وتقفي أثر المشتبه بهم، في ظل تعهدات رسمية بعدم التهاون مع مرتكبي هذه الجرائم التي تهدد السلم الاجتماعي والأمن الشخصي. وحتى الآن، لم يتم الإعلان عن اعتقالات مؤكدة أو الكشف عن دوافع واضحة وراء الاغتيال.
على الصعيد الشعبي، أثارت جريمة اغتيال أم نادر ردود فعل غاضبة ومستنكرة على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي الليبية، حيث طالب النشطاء والمواطنون بضرورة كشف الحقيقة ومحاسبة الجناة لإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب. أما المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، فقد أدانت الحادثة بشدة. حيث دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) إلى إجراء تحقيق فوري وشامل، مؤكدة على ضرورة حماية الحق في حرية التعبير وتأمين سلامة الصحفيين والنشطاء والمدونين في البلاد، خاصة النساء منهم.
السياق الأوسع والتداعيات
تبرز حادثة اغتيال المدونة سهير الحاتمي مجددًا التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجه ليبيا، في ظل استمرار الانقسام السياسي وضعف سيادة القانون في أجزاء واسعة من البلاد. كما تسلط الضوء على المخاطر التي تتهدد كل من يحاول التعبير عن رأيه بحرية، سواء كانوا صحفيين، نشطاء حقوقيين، أو مدونين اجتماعيين. ففي بيئة تسودها المجموعات المسلحة ويغيب فيها الرادع القانوني الفعال، يصبح الأفراد الذين يتسمون بالجرأة في التعبير عن آرائهم أهدافًا محتملة.
تعد هذه الجريمة بمثابة تذكير مؤلم بالوضع الهش لحقوق الإنسان وحرية التعبير في ليبيا ما بعد 2011، وتدعو إلى مزيد من الضغط على السلطات الليبية لتعزيز آليات العدالة وضمان الحماية اللازمة للمواطنين، لا سيما أولئك الذين يعملون في المجال الإعلامي والرقمي. كما أن الاغتيال يثير مخاوف جدية بشأن سلامة المرأة ودورها في الفضاء العام، ويسلط الضوء على ضرورة بناء دولة مؤسسات قوية قادرة على فرض الأمن والنظام وحماية حقوق الجميع.



