تحقيقات جريمة الإسماعيلية: كيف قادت رائحة جثة الضحية إلى كشف لغز الجريمة الكامل
عادت تفاصيل جريمة الإسماعيلية المروعة التي هزت الرأي العام المصري في أواخر عام 2021 إلى الواجهة، حيث كشفت محاضر التحقيقات الرسمية عن الدور المحوري الذي لعبته أدلة غير متوقعة في استكمال خيوط القضية. أبرز هذه الأدلة كان اكتشاف باقي جثمان الضحية، والذي لم يتم في مكان الجريمة العلني، بل في مسكن القاتل الخاص، حيث كانت الرائحة المنبعثة من الجثة هي التي أرشدت السلطات إلى مكانها وكشفت عن كامل بشاعة الجريمة.

خلفية الجريمة المروعة
في الأول من نوفمبر 2021، شهدت مدينة الإسماعيلية جريمة عنف غير مسبوقة في وضح النهار. أقدم شاب يُدعى عبد الرحمن نظمي، وشهرته "دبور"، على مهاجمة عامل يُدعى أحمد محمد صادق في أحد الشوارع الرئيسية المزدحمة. باستخدام سلاح أبيض كبير (ساطور)، قام الجاني بالاعتداء على الضحية وفصل رأسه عن جسده أمام المارة المذعورين. لم يكتفِ القاتل بذلك، بل قام بحمل الرأس المقطوعة والسير بها في الشارع، في مشهد صادم وثقته كاميرات الهواتف المحمولة وانتشر بسرعة هائلة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أثار موجة من الفزع والغضب في جميع أنحاء البلاد. تمكنت قوات الأمن من إلقاء القبض على الجاني في مسرح الجريمة بعد أن سيطرت عليه.
تفاصيل التحقيقات ودور الأدلة الحاسمة
كشفت التحقيقات اللاحقة عن تفاصيل أكثر قتامة. بعد ارتكابه للجريمة العلنية، قام عبد الرحمن نظمي بإخفاء باقي جثة الضحية (الجذع والأطراف) في شقة يقطنها بالطابق العلوي من منزل عائلته، بهدف التخلص منها لاحقًا. إلا أن خطته باءت بالفشل، فبعد مرور فترة قصيرة، بدأت رائحة كريهة وقوية تنبعث من الشقة، مما أثار شكوك الجيران الذين سارعوا بإبلاغ السلطات.
كان هذا البلاغ هو الخيط الذي قاد المحققين مباشرة إلى الأدلة المفقودة. عند تفتيش الشقة، عثرت الشرطة على باقي أجزاء الجثة، وهو ما شكل دليلاً دامغًا أكمل الصورة الكاملة للواقعة وأثبت نية الجاني المبيتة وتخطيطه للتخلص من أدلة الجريمة. خلال استجوابه، اعترف نظمي بارتكاب الجريمة، مبررًا فعلته بدوافع انتقامية، حيث ادعى أن الضحية كان قد اعتدى على والدته وشقيقته. ورغم أن هذا الادعاء شكل محور دفاعه، إلا أنه لم يثبت أمام المحكمة كدافع يخفف من جرمه.
المسار القضائي والحكم النهائي
نظرًا لبشاعة الجريمة ووضوح الأدلة، بما في ذلك اعترافات المتهم وشهادات الشهود ومقاطع الفيديو المصورة، تحركت القضية بسرعة في أروقة القضاء. وفي ديسمبر 2021، أصدرت محكمة جنايات الإسماعيلية حكمها، حيث قضت بإجماع الآراء بإحالة أوراق المتهم إلى فضيلة مفتي الجمهورية لأخذ الرأي الشرعي في إعدامه. بعد ورود رأي المفتي بالموافقة، أصدرت المحكمة حكمها النهائي بالإعدام شنقًا.
تم الطعن على الحكم أمام محكمة النقض، وهي أعلى محكمة مدنية في مصر، لكنها رفضت الطعن في أبريل 2022 وأيدت حكم الإعدام، ليصبح بذلك حكمًا باتًا ونهائيًا. وفي أبريل 2023، تم تنفيذ حكم الإعدام بحق عبد الرحمن نظمي، ليسدل الستار على أحد أكثر الفصول القضائية إثارة للجدل في تاريخ مصر الحديث.
التأثير المجتمعي للقضية
تركت "جريمة الإسماعيلية" أثرًا عميقًا في المجتمع المصري، حيث تجاوزت كونها مجرد جريمة قتل لتصبح ظاهرة اجتماعية أثارت نقاشات واسعة. سلطت القضية الضوء على عدة قضايا ملحة، منها:
- الانتشار الخطير للعنف في الأماكن العامة وتأثيره على الشعور بالأمان المجتمعي.
- التأثير النفسي لنشر المحتوى العنيف على وسائل التواصل الاجتماعي ودور المواطنين في توثيق مثل هذه الأحداث.
- العلاقة بين تعاطي المخدرات (حيث أشارت التحقيقات إلى أن الجاني كان يتعاطى مواد مخدرة) وارتكاب الجرائم العنيفة.
- مفهوم "العدالة الانتقامية" وكيفية تعامل المجتمع والقانون مع الجرائم التي تُرتكب بدوافع الشرف أو الثأر.





