تداعيات بيان الاتحاد الأوروبي حول سد النهضة: غضب إثيوبي وتحليل إعلامي مصري
شهدت الأزمة المستمرة لسد النهضة الإثيوبي تطورًا دبلوماسيًا جديدًا في مارس 2024، مع انعقاد قمة مصرية-أوروبية أسفرت عن بيان مشترك تطرق إلى قضية أمن مصر المائي. وقد أثار هذا البيان ردود فعل قوية من الجانب الإثيوبي، وهو ما حظي بتغطية وتحليل مكثف في وسائل الإعلام المصرية، أبرزها تعليقات الإعلامي أحمد موسى.

خلفية الأزمة
يمثل سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD)، المقام على النيل الأزرق في إثيوبيا منذ عام 2011، محور نزاع جيوسياسي معقد بين الدول الثلاث المطلة على النهر: إثيوبيا، مصر، والسودان. تعتمد مصر بشكل شبه كلي على مياه النيل، وتعتبر السد تهديدًا وجوديًا لأمنها المائي إذا تم ملؤه وتشغيله دون اتفاق ملزم يحمي حصصها التاريخية. من جانبها، تؤكد إثيوبيا حقها السيادي في استغلال مواردها المائية لتحقيق التنمية وتوليد الكهرباء، مشددة على أن السد سيعود بالنفع على المنطقة بأسرها. أما السودان، فله مخاوف تتعلق بسلامة السد وتأثيراته المحتملة على السدود السودانية ومخزوناته المائية. على مر السنوات، فشلت جولات عديدة من المفاوضات في التوصل إلى اتفاق شامل وملزم قانونيًا بشأن قواعد ملء وتشغيل السد.
بيان القمة المصرية-الأوروبية
في 17 مارس 2024، استضافت العاصمة المصرية القاهرة قمة تاريخية جمعت بين مصر والاتحاد الأوروبي، وشهدت هذه القمة ترفيع العلاقات بين الجانبين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة. تضمن البيان المشترك الصادر عن القمة نقاطًا عدة، وكان من بينها إشارة واضحة إلى ملف سد النهضة. شدد البيان على الأهمية الحيوية للأمن المائي لمصر، مع الاعتراف بالنيل كمصدر أساسي للحياة في البلاد. ودعا البيان إلى ضرورة التوصل السريع لاتفاق قانوني ملزم بشأن السد، يتوافق مع القانون الدولي ويراعي المصالح المشروعة لجميع الدول المتشاطئة.
ردود الفعل الإثيوبية
لم يمر البيان المشترك للقمة المصرية-الأوروبية دون رد فعل من إثيوبيا. فقد أعربت الأوساط الدبلوماسية والرسمية الإثيوبية، خاصة السفارة الإثيوبية في بروكسل، عن استيائها الشديد من موقف الاتحاد الأوروبي. وصفت التصريحات الإثيوبية موقف الاتحاد الأوروبي بأنه “متحيز” و”تدخل غير مبرر” في شأن سيادي يخص إثيوبيا. وأكدت أديس أبابا مجددًا حقها في تطوير مواردها المائية، وادعت أن عمليات بناء وملء السد تتم دون إلحاق ضرر كبير بدول المصب. عكست هذه الردود الحادة الموقف الإثيوبي الثابت بأن السد هو مشروع تنموي وطني خالص ولا يخضع لإملاءات خارجية.
التحليل الإعلامي المصري
تابعت وسائل الإعلام المصرية باهتمام كبير نتائج القمة المصرية-الأوروبية وما تلاها من ردود فعل إثيوبية. ومن بين أبرز المعلقين، كان الإعلامي أحمد موسى، الذي عُرف بأسلوبه الحماسي وانحيازه الصريح للموقف المصري، حيث تناول رد الفعل الإثيوبي بلغة قوية وواصفة. فسر موسى الاستياء الإثيوبي بأنه مؤشر على إحباط أديس أبابا من الدعم الدولي للموقف المصري، واعتبر البيان الأوروبي بمثابة انتصار دبلوماسي للقاهرة. وتهدف تعليقات موسى، التي غالبًا ما تتسم بالبلاغة، إلى تعزيز الرأي العام المصري حول نجاح الجهود الدبلوماسية المصرية في حماية مصالحها المائية.
الدلالات والتأثيرات
يمثل الدعم الصريح من الاتحاد الأوروبي لأمن مصر المائي ومطالبة أطراف النزاع بالالتزام بالقانون الدولي، دفعة للموقف الدبلوماسي المصري في قضية سد النهضة. ومع ذلك، فإن الرفض الإثيوبي القاطع لمثل هذه البيانات يشير إلى استمرار التباعد في وجهات النظر، مما يجعل تحقيق انفراجة في المفاوضات أمرًا بالغ الصعوبة. تسلط هذه التطورات الضوء على التدويل المستمر لقضية سد النهضة، والاختلافات الجوهرية في تفسير القانون الدولي والحقوق السيادية بين الأطراف المعنية. كما تؤكد التعقيدات الجيوسياسية لحوض النيل والحاجة الملحة إلى حل دبلوماسي يوازن بين تطلعات إثيوبيا التنموية واحتياجات الأمن المائي لمصر والسودان.




