تراجع أسعار الذهب العالمية مع تغير توقعات خفض الفائدة الأمريكية
شهدت أسعار الذهب العالمية انخفاضاً ملموساً في التعاملات الأخيرة، مبتعدة عن القمم التاريخية التي سجلتها في وقت سابق من العام. ويأتي هذا التراجع مدفوعاً بمجموعة من العوامل الاقتصادية الكلية، وفي مقدمتها التغير في توقعات الأسواق بشأن السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وقد هبط سعر الأونصة تحت مستويات دعم فنية هامة، مما يعكس تحولاً في معنويات المستثمرين بعد موجة صعود قوية.

العوامل الرئيسية وراء التراجع
يمكن إرجاع الانخفاض الأخير في أسعار المعدن الأصفر إلى تفاعل عدة قوى اقتصادية مؤثرة، أبرزها ما يلي:
- توقعات السياسة النقدية الأمريكية: أدت البيانات الاقتصادية القوية الصادرة من الولايات المتحدة، خاصة تقرير الوظائف الذي جاء أقوى من المتوقع، إلى تقليص آمال الأسواق في خفض وشيك لأسعار الفائدة. يهدف الاحتياطي الفيدرالي إلى السيطرة على التضخم، ويمنحه الاقتصاد المرن مساحة أكبر للإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول. تزيد الفائدة المرتفعة من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، الذي لا يدر عائداً، مما يجعل الأصول التي تدر فائدة مثل السندات أكثر جاذبية للمستثمرين.
- قوة الدولار الأمريكي: ساهمت احتمالية استمرار أسعار الفائدة المرتفعة في تعزيز قيمة الدولار الأمريكي في أسواق الصرف العالمية. وبما أن الذهب يتم تسعيره بالدولار، فإن ارتفاع قيمة العملة الأمريكية يجعله أكثر تكلفة للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى، وهو ما يضع ضغطاً على الطلب العالمي ويدفع الأسعار إلى الانخفاض.
- تباطؤ مشتريات البنوك المركزية: شكلت المشتريات القوية من جانب البنوك المركزية، وعلى رأسها بنك الشعب الصيني، دعامة أساسية لارتفاع الذهب على مدى أشهر. لكن البيانات الصادرة في أوائل يونيو 2024 كشفت أن البنك المركزي الصيني أوقف مشترياته من الذهب في شهر مايو، منهياً بذلك سلسلة شراء متواصلة استمرت 18 شهراً. فاجأت هذه الأنباء الأسواق وأثارت مخاوف بشأن تباطؤ محتمل في الطلب من القطاع الرسمي.
السياق العام: من قمم تاريخية إلى تصحيح سعري
يأتي هذا الانخفاض في أعقاب فترة من الأداء الاستثنائي للذهب، حيث ارتفع المعدن الثمين في وقت سابق من العام إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، متجاوزاً حاجز 2,400 دولار للأونصة. كان هذا الصعود مدفوعاً بتضافر عدة عوامل، منها تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، مما عزز جاذبيته كملاذ آمن. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت المخاوف من التضخم المستمر والطلب المادي القوي من آسيا، إلى جانب مشتريات البنوك المركزية، في خلق بيئة إيجابية للأسعار.
وبناءً على ذلك، يمكن النظر إلى الهبوط الأخير جزئياً على أنه تصحيح طبيعي في السوق وعمليات جني أرباح من قبل المستثمرين بعد هذا الارتفاع السريع والكبير. وقد وفر التحول في النظرة الأساسية لأسعار الفائدة الحافز لبدء موجة البيع هذه.
التأثير وردود الفعل في الأسواق
أحدث الانخفاض الحاد في أسعار الذهب تداعيات في مختلف الأسواق المالية، حيث يعيد المستثمرون حالياً تقييم توقعاتهم لأداء المعدن النفيس خلال الفترة المتبقية من العام. تحول تركيز الأسواق بشكل مكثف نحو بيانات التضخم الأمريكية القادمة، مثل مؤشر أسعار المستهلكين، والتصريحات المستقبلية لمسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
ويرى محللون أن المسار قصير الأجل للذهب سيظل معتمداً بشكل كبير على هذه المؤشرات الاقتصادية. فأي بيانات تشير إلى استمرار التضخم أو صمود الاقتصاد قد تؤدي إلى تأجيل إضافي لتخفيضات الفائدة المتوقعة، مما يلقي بثقله على الذهب. وعلى العكس، فإن ظهور علامات ضعف اقتصادي أو تباطؤ في التضخم يمكن أن ينعش رهانات التيسير النقدي ويوفر دعماً متجدداً للمعدن. وعليه، تظل الأسواق في حالة ترقب، وتراقب عن كثب اتصالات البنوك المركزية بحثاً عن أي مؤشرات حول المسار المستقبلي للسياسة النقدية.





