ترامب: شرائح إنفيديا المتقدمة حكر على الشركات الأمريكية
في الآونة الأخيرة، أفادت تقارير إعلامية، من بينها تقرير لوكالة رويترز، بأن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يرى أن الشركات الأمريكية وحدها هي من تستحق الحصول على شرائح الذكاء الاصطناعي الأكثر تطوراً من شركة «إنفيديا». ووفقًا لهذه التصريحات، أكد ترامب أن شركات في الصين ودول أخرى لن تحصل على هذه الشرائح المتقدمة. يعكس هذا الموقف تشدداً محتملاً في سياسة الولايات المتحدة تجاه الوصول إلى التقنيات الحيوية، خاصة في سياق التنافس العالمي المتزايد على التفوق التكنولوجي والجيوسياسي.

خلفية: صعود الذكاء الاصطناعي وهيمنة إنفيديا
أصبحت شركة إنفيديا لاعباً محورياً لا غنى عنه في ثورة الذكاء الاصطناعي العالمية. تعد وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) التي تنتجها، لا سيما طرازات مثل H100 وA100، بمثابة العمود الفقري لتدريب ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة، بما في ذلك نماذج اللغة الكبيرة التي تشغل الذكاء الاصطناعي التخاطبي وتحليلات البيانات المتقدمة. هذه الرقائق هي بنية تحتية أساسية لشركات التكنولوجيا، والمؤسسات البحثية، والحكومات التي تسعى إلى الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي. يتجاوز الطلب على هذه الشرائح بكثير العرض المتاح، مما يجعل الحصول عليها ميزة استراتيجية حاسمة في السباق التكنولوجي العالمي.
السياق التاريخي: المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين
تأتي تصريحات ترامب في خضم تنافس تكنولوجي محتدم ومتصاعد بين الولايات المتحدة والصين. على مدى عدة سنوات، أعربت الولايات المتحدة عن مخاوفها بشأن التقدم التكنولوجي الصيني السريع، خاصة في المجالات التي تعتبر حاسمة للأمن القومي، مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة المتقدمة، وتكنولوجيا الكم. وقد طبقت الحكومة الأمريكية، تحت إدارتي ترامب وبايدن، العديد من ضوابط التصدير التي تهدف إلى تقييد وصول الصين إلى تكنولوجيا أشباه الموصلات المتقدمة، بما في ذلك معدات التصنيع والرقائق عالية الأداء. تُبرر هذه الإجراءات غالباً بمخاوف من أن تُستخدم هذه التكنولوجيا لتعزيز القدرات العسكرية للصين أو لدعم انتهاكات حقوق الإنسان. في المقابل، كثفت الصين جهودها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج أشباه الموصلات وتطوير قدراتها المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يزيد من حدة التنافس.
موقف ترامب وتداعياته المحتملة
تشير تصريحات الرئيس السابق إلى سياسة حصرية أكثر صرامة ووضوحاً فيما يتعلق بالتكنولوجيا. فبتأكيده على أن «الشركات الأمريكية وحدها تستحق» هذه الرقائق، يدعو إلى نهج حمائي للتقنيات الحيوية. يمكن أن يعني هذا تشديداً كبيراً في لوائح التصدير يتجاوز ما هو موجود حالياً، وربما يمتد ليشمل نطاقاً أوسع من شرائح الذكاء الاصطناعي أو قيود ترخيص أكثر صرامة حتى بالنسبة للشركات الأمريكية التي قد تتعامل مع شركاء دوليين. ويهدف مثل هذا النهج إلى ترسيخ ريادة أمريكا في الذكاء الاصطناعي من خلال ضمان وصول صناعتها المحلية بلا منازع إلى أحدث الأجهزة، بينما يعيق في الوقت نفسه تقدم المنافسين الاستراتيجيين. هذا الموقف يعزز أيضاً مفهوم «فصل التقنيات» الذي تسعى واشنطن لفرضه في بعض القطاعات.
تأثيرات محتملة على إنفيديا والصناعة
تُحقق إنفيديا جزءاً كبيراً من إيراداتها من السوق الصينية. لذا، فإن فرض ضوابط تصدير أكثر صرامة أو حظر كامل على بيع الرقائق المتطورة إلى الصين سيكون له تأثير مالي كبير على الشركة. على الرغم من أن إنفيديا قد تكيفت بتطوير شرائح ذات قدرات مخففة (مثل H20، L20، وL2) خصيصاً للسوق الصينية للامتثال لقيود الولايات المتحدة الحالية، فإن الاستبعاد التام «للصين والدول الأخرى» حتى من هذه المنتجات المصممة خصيصاً قد يُجبرها على إعادة تقييم استراتيجيتها العالمية. كما يمكن أن تواجه صناعة أشباه الموصلات الأوسع نطاقاً اضطراباً، حيث تعتمد سلاسل التوريد العالمية المعقدة على المبيعات والتعاون الدوليين. وقد تنظر الدول الأخرى إلى مثل هذه السياسة كخطوة عدوانية، مما يدفعها لتسريع تطويرها لرقائقها المحلية أو البحث عن موردين بديلين، مما قد يؤدي إلى تفتت أكبر في السوق.
الآثار الجيوسياسية والاقتصادية الأوسع
يُبرز هذا الموقف اتجاهاً نحو «القومية التكنولوجية»، حيث تعطي الدول الأولوية للسيطرة المحلية على التقنيات الحيوية. وفي حال تطبيقها، من المرجح أن تُكثف هذه السياسة الفصل التكنولوجي المستمر بين الولايات المتحدة والصين، مما قد يؤدي إلى مشهد تكنولوجي عالمي أكثر تجزئة وتنافسية. من الناحية الاقتصادية، يمكن أن تؤدي إلى زيادة التكاليف لتطوير التكنولوجيا على مستوى العالم، حيث تُجبر الشركات على تطوير أنظمة منفصلة لأسواق مختلفة أو البحث عن حلول بديلة. ومن الناحية الجيوسياسية، يمكن أن تُعمق التحالفات القائمة على الوصول التكنولوجي، بينما تُعزل الدول التي تُعتبر منافسة أو خصماً. كما تثير تساؤلات حول الجدوى طويلة الأجل لاقتصاد عالمي مفتوح للتقنيات المتقدمة، وتأثيره على الابتكار المشترك.
خاتمة
تؤكد تصريحات الرئيس السابق ترامب بشأن الوصول الحصري للشركات الأمريكية إلى شرائح إنفيديا المتقدمة للذكاء الاصطناعي، على المخاطر الكبيرة في السباق العالمي للهيمنة التكنولوجية. يشير تصوره إلى نهج قد يكون أكثر عدوانية لتأمين ريادة أمريكا في الذكاء الاصطناعي، مع تداعيات عميقة على التجارة الدولية، والابتكار التكنولوجي، والاستقرار الجيوسياسي. تغذي هذه التصريحات النقاش الدائر حول التوازن بين الأمن القومي، والقدرة التنافسية الاقتصادية، والترابط العالمي لصناعة التكنولوجيا، وتوفر لمحة عن سياسات محتملة في حال عودته إلى السلطة.




