في تصريحات صحفية حديثة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تحول هام في السياسة تجاه سوريا، مؤكدًا رفع العقوبات عن دمشق. أوضح ترامب أن هذا القرار اتُخذ بهدف أساسي هو منح الحكومة السورية "فرصة للبقاء" والانخراط بفاعلية في العملية السياسية. تأتي هذه التصريحات كتعبير مباشر عن موقفه بشأن الزيارة المرتقبة، والمفاجئة إلى حد كبير، لـ الرئيس السوري إلى واشنطن. يمثل هذا التطور، إذا ما تم تأكيده بالكامل، خروجًا لافتًا عن سنوات من الضغوط الدولية التي قادتها الولايات المتحدة لعزل النظام السوري، وقد يشير إلى إعادة توجيه جذرية للسياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

خلفية الأزمة السورية والعقوبات الأمريكية
تأتي تصريحات الرئيس ترامب بعد عقد كامل من الصراع المدمر في سوريا، والذي اندلع عام 2011 وتحول إلى حرب أهلية معقدة شهدت تدخلات إقليمية ودولية واسعة. أدت هذه الأزمة إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، بما في ذلك نزوح الملايين ومقتل مئات الآلاف. منذ بداية الصراع، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها موقفًا حازمًا ضد حكومة بشار الأسد، متهمة إياها بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب بحق شعبها. كجزء من هذه الاستراتيجية، فرضت واشنطن مجموعة واسعة من العقوبات الاقتصادية والمالية على النظام السوري وداعميه، كان أبرزها قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019. استهدف هذا القانون معاقبة الأفراد والكيانات التي تقدم دعمًا ماليًا أو عسكريًا للنظام، وكان الهدف المعلن هو الضغط على دمشق لوقف العنف والانخراط في حل سياسي دائم وشامل يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة، وتقديم المسؤولين عن الجرائم إلى العدالة. لطالما أكدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن أي حل سياسي يجب أن يؤدي إلى انتقال ديمقراطي ولا يشمل بقاء بشار الأسد في السلطة على المدى الطويل.
سياق زيارة الرئيس السوري المرتقبة ومبررات ترامب
يُعد الإعلان عن زيارة مرتقبة لـ الرئيس السوري إلى واشنطن حدثًا غير مسبوق في العلاقات الأمريكية السورية المتوترة للغاية، حيث لم يحدث أي لقاء رفيع المستوى بهذا الشكل منذ عقود. لم يتم الكشف عن تفاصيل هذه الزيارة، مثل موعدها المحدد أو الأجندة المحتملة، ولكن مجرد الإشارة إليها من قبل رئيس أمريكي سابق يثير تساؤلات كبيرة حول التحول الدبلوماجي المحتمل. في هذا السياق، أكد الرئيس ترامب أن رفع العقوبات عن دمشق ليس مجرد بادرة حسن نية، بل خطوة محسوبة تهدف إلى تحقيق هدفين رئيسيين: منح الحكومة السورية فرصة للبقاء وتمكينها من الانخراط في العملية السياسية. تشير هذه التصريحات إلى تغيير جذري في النهج الأمريكي، الذي كان يرفض سابقًا أي محاولة لإعادة تأهيل النظام السوري أو الاعتراف بشرعيته، وكان يدعو إلى رحيل بشار الأسد كشرط مسبق لأي حل سياسي.
يمكن تفسير دوافع ترامب المتعددة وراء هذه الخطوة ضمن إطار سياسته "أمريكا أولاً"، والتي غالبًا ما تفضل الانسحاب من الصراعات الخارجية والبحث عن حلول واقعية ومباشرة. فربما يرى ترامب أن استمرار العقوبات والعزلة لم يحقق الأهداف المرجوة من تغيير النظام، بل أدى إلى تعميق الأزمة الإنسانية وأتاح لروسيا وإيران تعزيز نفوذهما في سوريا. من خلال رفع العقوبات، قد يأمل ترامب في إيجاد مسار جديد يشجع على الاستقرار، حتى لو كان ذلك يعني القبول بوجود النظام الحالي، وربما استعادة بعض النفوذ الأمريكي في المشهد السوري المعقد. يُنظر إلى هذه الخطوة من قبل البعض كجزء من استراتيجية أوسع لخفض الالتزامات الأمريكية في الشرق الأوسط مع الحفاظ على درجة من التأثير عبر الدبلوماسية المباشرة.
التداعيات المحتملة وردود الفعل المتوقعة
من المتوقع أن يثير قرار رفع العقوبات والحديث عن زيارة الرئيس السوري لواشنطن موجة واسعة من ردود الفعل على المستويات الإقليمية والدولية والداخلية.
- على الصعيد الإقليمي: قد يشجع هذا التطور بعض الدول العربية على تسريع وتيرة تطبيع علاقاتها مع دمشق، وهو مسار بدأته بالفعل دول مثل الإمارات والبحرين، بينما قد ترفضه دول أخرى بشدة بسبب المواقف الثابتة تجاه النظام السوري. من المرجح أن تراقب إيران وروسيا، الداعمان الرئيسيان للأسد، هذا التطور عن كثب، وقد ينظران إليه كخطوة نحو تقويض نفوذهما أو كاعتراف ضمني بانتصار حليفهما. أما تركيا، التي تدعم فصائل المعارضة السورية وتسيطر على أجزاء من الشمال السوري، فستكون أمام تحديات جديدة في ظل أي تحول في السياسة الأمريكية تجاه دمشق.
- على الصعيد الدولي: قد تواجه الدول الأوروبية، التي لديها مواقف أكثر صرامة ضد النظام السوري، ضغوطًا لإعادة تقييم سياساتها. قد يؤدي هذا إلى انقسام في الموقف الغربي، حيث قد يرى البعض في خطوة ترامب سابقة خطيرة تتجاهل قضايا حقوق الإنسان والعدالة، بينما قد يرى آخرون أنها خطوة براغماتية نحو الاستقرار الإقليمي. المنظمات الدولية وحقوق الإنسان ستعبر على الأرجح عن قلقها الشديد إزاء أي خطوات قد تعزز شرعية نظام متهم بانتهاكات جسيمة.
- على الصعيد الداخلي الأمريكي: من المرجح أن يواجه الرئيس ترامب، حال كان في السلطة أو يستعد للعودة إليها، انتقادات شديدة من قبل أعضاء الكونغرس من الحزبين، ومنظمات حقوق الإنسان، وبعض الدوائر الدبلوماسية التي ترى أن هذه الخطوة تتعارض مع القيم الأمريكية وتاريخها في الدفاع عن حقوق الإنسان. قد يُتهم ترامب بتقويض الجهود الدولية لمحاسبة النظام السوري.
آفاق المستقبل
يمثل هذا التطور، إذا ما تم تأكيده وتفعيله بالكامل، نقطة تحول محتملة في السياسة الأمريكية تجاه سوريا والشرق الأوسط عمومًا. إن منح الحكومة السورية "فرصة للبقاء" و"الانخراط في العملية السياسية" قد يعني نهاية لعقود من السعي لتغيير النظام وبداية مرحلة جديدة من التعامل الواقعي مع الحقائق على الأرض، حتى لو كانت تلك الحقائق غير مرغوبة للبعض. يبقى السؤال حول طبيعة هذه "الفرصة" وما إذا كانت ستقود فعلاً إلى حل سياسي شامل ودائم يلبي طموحات جميع السوريين أم ستعزز بقاء النظام على حساب المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. سيتوقف الكثير على تفاصيل المحادثات المحتملة خلال الزيارة المزعومة لـ الرئيس السوري إلى واشنطن وعلى كيفية استجابة النظام السوري لهذه المبادرة غير المتوقعة، وربما تمثل هذه الخطوات بداية لمرحلة جديدة من الدبلوماسية المعقدة في منطقة تشهد تحولات جيوسياسية مستمرة.




