تزايد سقوط أقمار ستارلينك التابعة لإيلون ماسك: المخاطر والتحديات
كشفت تقارير حديثة ومتتبعو الفضاء عن ملاحظات مقلقة بخصوص كوكبة أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة سبيس إكس، والتي يقودها رائد الأعمال إيلون ماسك. تشير هذه الملاحظات إلى أن عددًا من هذه الأقمار الصناعية يتساقط من مداره ويتجه نحو الغلاف الجوي للأرض بمعدل ملحوظ، مما يثير تساؤلات حول استدامة المدارات الأرضية المنخفضة ومخاطر الحطام الفضائي.

تُظهر البيانات أن ما يصل إلى أربعة أقمار صناعية من هذه الكوكبة الضخمة قد تتساقط يوميًا في بعض الفترات، مما يعكس تحديات تقنية وبيئية تواجه أكبر شبكة أقمار صناعية في العالم.
الخلفية: مشروع ستارلينك وأهدافه
يُعد مشروع «ستارلينك» مبادرة طموحة من شركة سبيس إكس بهدف توفير خدمة الإنترنت عالي السرعة وبأسعار معقولة عالميًا، خاصة للمناطق النائية وغير المخدومة. تعتمد الشبكة على آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة التي تدور في مدار أرضي منخفض (LEO)، على ارتفاع يتراوح عادة بين 550 و 570 كيلومترًا فوق سطح الأرض. وقد أطلقت سبيس إكس حتى الآن الآلاف من هذه الأقمار، مما يجعلها الكوكبة الأكبر من نوعها.
تتمثل الميزة الرئيسية للمدارات المنخفضة في تقليل زمن الوصول (latency) للإشارة، مما يوفر تجربة إنترنت أسرع وأكثر استجابة مقارنة بالأقمار الصناعية التقليدية في المدارات الجغرافية الثابتة. ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع المنخفض يجعل الأقمار أكثر عرضة لتأثيرات الغلاف الجوي العلوي.
أسباب وتيرة السقوط المتزايدة
تتعدد العوامل التي تساهم في تساقط أقمار ستارلينك، سواء بشكل مقصود في نهاية عمرها الافتراضي أو بشكل غير مقصود نتيجة لظروف بيئية أو تقنية:
- العواصف الشمسية والنشاط الجيومغناطيسي: يُعد هذا السبب الأكثر أهمية في بعض الحالات. عندما يزداد نشاط الشمس، تُطلق عواصف شمسية قوية تؤثر على الغلاف الجوي للأرض. يؤدي هذا النشاط إلى تمدد الغلاف الجوي العلوي، مما يزيد من كثافة الهواء في المدارات المنخفضة. في فبراير 2022، فقدت سبيس إكس ما يقرب من 40 قمراً صناعياً من دفعة واحدة بعد إطلاقها بفترة وجيزة بسبب عاصفة شمسية قوية أدت إلى زيادة السحب الجوي بشكل غير متوقع.
- السحب الجوي الطبيعي: حتى في الظروف العادية، تواجه الأقمار الصناعية في المدارات المنخفضة سحبًا جويًا خفيفًا. على الرغم من أن أقمار ستارلينك مزودة بمحركات دفع أيونية للحفاظ على مدارها، إلا أن السحب المستمر يؤدي إلى فقدان تدريجي للارتفاع ويتطلب استهلاك الوقود. إذا تعطلت هذه الأنظمة أو نفد وقودها، يبدأ القمر الصناعي في السقوط.
- الأعطال التقنية: مثل أي نظام معقد، يمكن أن تتعرض أقمار ستارلينك لأعطال تقنية قد تؤثر على قدرتها على المناورة أو الحفاظ على مدارها، مما يؤدي إلى خروجها عن الخدمة وتساقطها نحو الأرض.
المخاطر والتحديات
يُثير المعدل المتزايد لتساقط أقمار ستارلينك عددًا من المخاطر والتحديات الرئيسية:
- الحطام الفضائي: على الرغم من أن أقمار ستارلينك مصممة للاحتراق بالكامل تقريبًا عند إعادة الدخول إلى الغلاف الجوي، إلا أن الكم الهائل من الأقمار التي تخرج من الخدمة يزيد من احتمالية وجود حطام فضائي دقيق قد لا يحترق بالكامل، أو قد يؤدي إلى زيادة الجزيئات الصغيرة في المدارات المنخفضة. الأقمار غير المتحكم بها تشكل خطرًا على الأقمار الصناعية الأخرى النشطة.
- خطر الاصطدام: تزايد عدد الأقمار الصناعية في المدارات الأرضية المنخفضة، سواء العاملة أو التي في طريقها للسقوط، يزيد من خطر الاصطدام بينها، مما قد يؤدي إلى سيناريو يُعرف بـ «متلازمة كيسلر»، حيث يؤدي اصطدام واحد إلى سلسلة من الاصطدامات المتتالية وتكوين كميات هائلة من الحطام.
- السلامة عند إعادة الدخول: بالرغم من التصميم المخصص للاحتراق، يبقى هناك قلق نظري من وصول أجزاء من الأقمار الصناعية إلى سطح الأرض، خاصة في المناطق المأهولة.
- التأثير على الفلك: تُثير أعداد أقمار ستارلينك الضخمة بالفعل قلق علماء الفلك بسبب تأثيرها على الرصد الفلكي. ورغم أن تساقطها قد يقلل العدد مؤقتًا، إلا أن وتيرة الإطلاق السريعة تضمن استمرار الزيادة الإجمالية.
استجابة سبيس إكس والحلول المقترحة
تدرك سبيس إكس هذه التحديات وتعمل على معالجتها. صُممت أقمار ستارلينك لتكون قابلة للإزالة من المدار (de-orbit) في غضون خمس سنوات بعد انتهاء عمرها الافتراضي، باستخدام محركاتها الأيونية. كما أنها مصممة للاحتراق بالكامل تقريبًا في الغلاف الجوي لتقليل خطر الحطام. تعمل الشركة أيضًا على تحسين تصميم الأقمار الجديدة لجعلها أكثر مقاومة للظروف الفضائية القاسية وتقليل فرص الأعطال.
المنظور الدولي والتنظيم الفضائي
تُسلط قضية تساقط أقمار ستارلينك الضوء على الحاجة الملحة لتطوير أطر تنظيمية دولية أكثر صرامة لإدارة الازدحام في المدارات الأرضية المنخفضة والحطام الفضائي. تُطالب وكالات الفضاء العالمية، مثل وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، بمزيد من التنسيق والالتزام بالمبادئ التوجيهية لتقليل الحطام الفضائي لضمان الاستخدام المستدام للفضاء للأجيال القادمة. يتطلب هذا توازنًا دقيقًا بين الابتكار في استكشاف الفضاء وتوفير خدماته، وبين الحفاظ على بيئة فضائية آمنة ونظيفة.
تظل مراقبة أقمار ستارلينك وأدائها في المدار أمرًا حيويًا، حيث تستمر النقاشات حول كيفية تحقيق التوازن بين توفير الاتصال العالمي والحفاظ على استدامة البيئة الفضائية.




