تصاعد التوتر بين باكستان وأفغانستان: إسلام آباد تندد بالاستفزازات وتتعهد بالرد
شهدت العلاقات المتوترة أصلاً بين باكستان وأفغانستان تصعيداً جديداً في الأيام الأخيرة، حيث دان رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، بشدة ما وصفه بـ "الاستفزازات غير المبررة" من الجانب الأفغاني، متوعداً بأن بلاده سترد بقوة وحزم على أي عدوان. يأتي هذا الموقف الحاد في أعقاب سلسلة من الاشتباكات والمناوشات الحدودية التي أسفرت عن خسائر في الأرواح والممتلكات، مما يعمق الأزمة بين الجارتين.
تفاصيل الاشتباكات الحدودية الأخيرة
تركزت المواجهات الأخيرة على طول الحدود المضطربة، وتحديداً في مناطق مثل مقاطعة كورام بإقليم خيبر بختونخوا. ووفقاً لتقارير إعلامية ومصادر أمنية باكستانية، بدأت القوات الأفغانية بإطلاق النار بشكل مفاجئ على مواقع باكستانية، مما أدى إلى رد من القوات الباكستانية. أسفر تبادل إطلاق النار عن سقوط ضحايا من الجانبين، بينهم مدنيون، وأدى إلى حالة من الذعر في القرى الحدودية. كما تسببت هذه الاشتباكات في إغلاق مؤقت لبعض المعابر الحدودية الحيوية، مما أثر على حركة التجارة والأفراد.
ليست هذه الحادثة معزولة، بل تأتي ضمن نمط متكرر من التوترات على طول خط ديورند، الحدود التي يبلغ طولها حوالي 2600 كيلومتر والتي لم تعترف بها أي حكومة أفغانية تاريخياً. تتهم إسلام آباد بشكل متكرر قوات طالبان ببدء إطلاق النار وانتهاك الاتفاقيات الحدودية، بينما تلقي كابول باللوم في كثير من الأحيان على القوات الباكستانية.
الموقف الرسمي الباكستاني وتداعياته
جاء تصريح رئيس الوزراء شهباز شريف ليعكس نفاد صبر إسلام آباد تجاه ما تعتبره تساهلاً من حكومة طالبان مع الجماعات المسلحة التي تهاجم باكستان من الأراضي الأفغانية. وأكد شريف أن باكستان، رغم التزامها بالسلام، لن تتهاون في حماية سيادتها وسلامة مواطنيها. وقد سبقت هذه التصريحات بيانات مماثلة من وزارة الخارجية والجيش الباكستاني، اللذين حمّلا السلطات الأفغانية المسؤولية الكاملة عن تدهور الوضع الأمني على الحدود.
تتمثل المخاوف الباكستانية الرئيسية في أن حركة طالبان الأفغانية لا تتخذ إجراءات كافية أو حقيقية ضد حركة طالبان باكستان (TTP)، التي تتخذ من أفغانستان ملاذاً آمناً لتخطيط وتنفيذ هجمات داخل باكستان. وقد شهدت باكستان زيادة كبيرة في الهجمات الإرهابية منذ عودة طالبان إلى السلطة في كابول عام 2021.
خلفية معقدة من انعدام الثقة
تمثل العلاقة بين باكستان وأفغانستان فصلاً طويلاً من التعقيد والريبة المتبادلة. وإلى جانب الخلاف التاريخي حول خط ديورند، تتشابك مصالح البلدين في قضايا الأمن والتجارة واللاجئين. تاريخياً، دعمت باكستان حركة طالبان خلال فترة صعودها في التسعينيات، لكن العلاقة تدهورت بشكل كبير بعد سيطرة الحركة على كابول مجدداً، حيث فشلت في تلبية المطالب الباكستانية بكبح جماح حركة طالبان باكستان.
شملت الإجراءات التي اتخذتها باكستان للضغط على طالبان ما يلي:
- تنفيذ غارات جوية داخل الأراضي الأفغانية في مارس 2024 استهدفت معاقل لمسلحين، وهو ما أدانته كابول بشدة واعتبرته انتهاكاً لسيادتها.
- تشديد الإجراءات على المعابر الحدودية، مما أثر سلباً على الاقتصاد الأفغاني المعتمد بشكل كبير على التجارة مع باكستان.
- إطلاق حملة لترحيل مئات الآلاف من المهاجرين الأفغان غير المسجلين، وهي خطوة أثارت انتقادات دولية وخلقت أزمة إنسانية.
رد الفعل الأفغاني والموقف الإقليمي
من جانبها، ترفض حكومة طالبان الاتهامات الباكستانية، مؤكدة أن أراضيها لن تُستخدم لتهديد أمن أي دولة. وفي بيان رداً على التصعيد الأخير، دعا المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، إلى حل الخلافات عبر القنوات الدبلوماسية، محمّلاً "سوء التفاهم" مسؤولية بعض الحوادث الحدودية. ومع ذلك، تؤكد كابول على حقها في الرد على أي عدوان على أراضيها. ويرى محللون أن طالبان تواجه تحدياً داخلياً في السيطرة الكاملة على جميع الفصائل المسلحة على أراضيها، بالإضافة إلى عدم رغبتها في الدخول في مواجهة مفتوحة مع حلفائها السابقين في حركة طالبان باكستان.
يزيد هذا التوتر من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة، التي تعاني أصلاً من تحديات اقتصادية وسياسية. إن استمرار المواجهات الحدودية لا يهدد فقط العلاقات الثنائية، بل يقوض أيضاً الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في أفغانستان بعد عقود من الحرب.





