تصاعد التوتر بين باكستان وأفغانستان: غارات جوية وردود فعل وسط جهود للتهدئة
شهدت العلاقات المتوترة بالفعل بين باكستان وأفغانستان تصعيدًا خطيرًا في الأيام الأخيرة، حيث نفذت إسلام آباد غارات جوية داخل الأراضي الأفغانية، وردت حكومة طالبان بإطلاق النار على المراكز الحدودية الباكستانية. يأتي هذا التطور ليؤجج نزاعًا طويل الأمد يتعلق بالأمن الحدودي وملاذات المسلحين، مما يثير مخاوف من اندلاع صراع أوسع نطاقًا في المنطقة.

خلفية التوترات المتجذرة
تعود جذور الخلاف الحالي إلى قضايا معقدة ومستمرة منذ عقود. تتهم باكستان منذ فترة طويلة الجماعات المسلحة، وعلى رأسها حركة طالبان باكستان (TTP)، باستخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة لشن هجمات دامية داخل باكستان. وعلى الرغم من أن إسلام آباد كانت تأمل في أن يؤدي استيلاء طالبان الأفغانية على السلطة في أغسطس 2021 إلى كبح جماح حركة طالبان باكستان، إلا أن الهجمات عبر الحدود زادت وتيرتها، مما أدى إلى إحباط السلطات الباكستانية.
من جانبها، تنفي حكومة طالبان في كابول توفير مأوى آمن للجماعات المسلحة وتتهم باكستان بالفشل في تأمين جانبها من الحدود، المعروفة بخط ديورند، وهي حدود متنازع عليها تاريخيًا ولم تعترف بها أي حكومة أفغانية.
التصعيد الأخير: غارات وهجمات مضادة
جاءت الشرارة الأخيرة التي أشعلت الموقف بعد هجوم انتحاري استهدف نقطة تفتيش عسكرية في منطقة شمال وزيرستان الباكستانية، وأسفر عن مقتل سبعة جنود. ردًا على ذلك، شنت القوات الجوية الباكستانية في الساعات الأولى من يوم 18 مارس 2024 غارات جوية استهدفت ما وصفتها بـ "مخابئ إرهابية" تابعة لحركة طالبان باكستان في مقاطعتي خوست وبكتيكا الأفغانيتين.
أدانت حكومة طالبان بشدة هذه الغارات، ووصفتها بأنها انتهاك صارخ لسيادة أفغانستان. وأعلنت وزارة الدفاع الأفغانية أن قواتها الحدودية ردت باستهداف مواقع عسكرية باكستانية على طول الحدود بالأسلحة الثقيلة. كما أفاد المتحدث باسم حكومة طالبان، ذبيح الله مجاهد، بأن الغارات الباكستانية أسفرت عن مقتل ثمانية مدنيين، بينهم نساء وأطفال، محذرًا من "عواقب وخيمة" لا تستطيع باكستان تحملها.
ردود الفعل والمواقف الرسمية
أكدت وزارة الخارجية الباكستانية أن عملياتها كانت تستهدف الإرهابيين المسؤولين عن الهجمات الأخيرة، مشددة على احترامها لسيادة أفغانستان وسلامة أراضيها، لكنها أوضحت أن أمنها القومي يمثل أولوية قصوى. وفي المقابل، استدعت وزارة الخارجية في حكومة طالبان القائم بالأعمال الباكستاني في كابول لتقديم مذكرة احتجاج رسمية.
- موقف باكستان: تبرر الغارات بأنها عمل دفاعي ضد الإرهاب، وتطالب طالبان باتخاذ إجراءات ملموسة ضد الجماعات المسلحة.
- موقف أفغانستان: تعتبر الغارات عدوانًا غير مبرر، وتنفي وجود ملاذات آمنة للمسلحين، وتلقي باللوم على باكستان في زعزعة استقرار المنطقة.
الأهمية والتداعيات المحتملة
يمثل هذا التصعيد تحولًا خطيرًا في العلاقة بين البلدين، حيث انتقل الخلاف من التراشق الدبلوماسي إلى المواجهة العسكرية المباشرة. يخشى المراقبون أن يؤدي هذا الوضع إلى زعزعة استقرار منطقة مضطربة بالفعل، وقد يؤثر سلبًا على الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي. كما يضع هذا الصراع حكومة طالبان، التي تسعى للحصول على اعتراف دولي، في موقف صعب دبلوماسيًا وأمنيًا، خاصة مع أحد أهم جيرانها. وفي ظل غياب مؤشرات واضحة على التهدئة، تبرز دعوات إقليمية ودولية للطرفين لممارسة أقصى درجات ضبط النفس واللجوء إلى الحوار لحل الخلافات العالقة ومنع تفاقم الأزمة.




