مفاوضات السلام بين باكستان وحركة طالبان المحلية تواجه طريقًا مسدودًا
وصلت المحادثات الهشة بين الحكومة الباكستانية وحركة طالبان باكستان (TTP)، التي تهدف إلى إنهاء عقدين من الصراع المسلح، إلى طريق مسدود، مما يهدد بإعادة المنطقة إلى دوامة من العنف بعد فترة وجيزة من الهدوء النسبي. ورغم الجهود الحثيثة والوساطة المباشرة من قبل طالبان الأفغانية، فشل الطرفان في جسر هوة الخلافات العميقة بينهما، خاصة فيما يتعلق بالقضايا السيادية والدستورية.

خلفية المفاوضات والوساطة الأفغانية
انطلقت جولات المحادثات بشكل جدي بعد سيطرة طالبان على أفغانستان في أغسطس 2021، حيث عرضت القيادة الجديدة في كابول التوسط لإنهاء التمرد الذي طال أمده في جارتها باكستان. وتعتبر حركة طالبان باكستان، رغم استقلالها التنظيمي، حليفًا أيديولوجيًا لطالبان الأفغانية. استضافت كابول عدة اجتماعات بين وفود من المخابرات العسكرية الباكستانية وقيادة حركة طالبان باكستان، وبدا أن هناك زخمًا أوليًا نحو التوصل إلى تسوية، نتج عنه إعلان وقف إطلاق نار مؤقت تم تمديده عدة مرات خلال عام 2022.
أبرز نقاط الخلاف التي أدت إلى التعثر
يكمن جوهر الفشل في التباين الشديد في المطالب الأساسية لكل طرف، والتي تمس قضايا سيادية لا يمكن التنازل عنها. وقد تركزت الخلافات الرئيسية حول النقاط التالية:
- دمج المناطق القبلية (FATA): كان المطلب الرئيسي لحركة طالبان باكستان هو إلغاء قرار دمج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية سابقًا في إقليم خيبر بختونخوا، وهو إجراء اتخذته باكستان في عام 2018 بهدف دمج هذه المناطق بشكل كامل في الدولة. تعتبر إسلام أباد هذا الإجراء تعديلاً دستوريًا نهائيًا وغير قابل للتفاوض.
 - تطبيق الشريعة: طالبت الحركة بتطبيق نسختها من الشريعة الإسلامية في المناطق القبلية، وهو ما ترفضه الحكومة الباكستانية بشكل قاطع، مؤكدة أن دستور البلاد هو القانون الأعلى والوحيد.
 - نزع السلاح: اشترطت الحكومة الباكستانية أن تقوم حركة طالبان باكستان بحل جناحها المسلح وتسليم أسلحتها والاندماج في المجتمع كشرط لأي عفو أو تسوية، وهو ما رفضته قيادة الحركة، التي أرادت الاحتفاظ بقوتها كضمانة.
 - إطلاق سراح السجناء: طالبت الحركة بالإفراج عن المئات من مقاتليها وقادتها المحتجزين في السجون الباكستانية، بينما أبدت الحكومة استعدادًا للإفراج عن بعضهم كبادرة حسن نية، لكنها رفضت الإفراج الشامل دون ضمانات أمنية.
 
الانهيار الكامل للهدنة وتصاعد العنف
بحلول أواخر نوفمبر 2022، ومع غياب أي تقدم ملموس، أعلنت حركة طالبان باكستان رسميًا إنهاء وقف إطلاق النار، وأمرت مقاتليها بشن هجمات في جميع أنحاء البلاد. منذ ذلك الحين، شهدت باكستان تصاعدًا كبيرًا في الهجمات الإرهابية، استهدفت بشكل أساسي قوات الأمن والشرطة في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان. وأظهرت الهجمات قدرة الحركة على إعادة تنظيم صفوفها واستغلال الملاذات الآمنة في أفغانستان المجاورة.
الأهمية والتداعيات الإقليمية
إن فشل هذه المفاوضات لا يؤثر على الاستقرار الداخلي في باكستان فحسب، بل يضع أيضًا ضغوطًا كبيرة على العلاقات بين إسلام أباد وحكومة طالبان في كابول. تتهم باكستان طالبان الأفغانية بعدم بذل جهود كافية لكبح جماح حركة طالبان باكستان ومنعها من استخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة لشن هجمات. وفي المقابل، تنفي حكومة كابول هذه الاتهامات وتدعو إلى حل القضايا عبر الحوار. ويعكس هذا الوضع مدى تعقيد المشهد الأمني الإقليمي، حيث لا يزال مستقبل السلام في المنطقة مرهونًا بمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف والتوصل إلى تسويات سياسية قابلة للتطبيق.




