تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان: نزوح قياسي واتهامات دولية بالتقصير
يشهد السودان أزمة إنسانية وأمنية متصاعدة، حيث يستمر الصراع الدامي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في التوسع، مما أدى إلى موجات نزوح هي الأكبر في العالم وتدهور كارثي في الأوضاع المعيشية لملايين المدنيين. وفي ظل هذه التطورات، وجهت الحكومة السودانية اتهامات متكررة للمجتمع الدولي بالتقاعس عن أداء دوره في احتواء الأزمة وتقديم الدعم الكافي.
خلفية الصراع
اندلعت المواجهات العسكرية في العاصمة الخرطوم في 15 أبريل 2023، نتيجة صراع على السلطة بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي). كان الخلاف يتمحور حول خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني، وهو ما فجر التوترات الكامنة بين الحليفين السابقين اللذين قادا معًا انقلابًا عسكريًا في عام 2021. سرعان ما امتدت الحرب من العاصمة لتشمل مناطق واسعة من البلاد، خاصة إقليم دارفور وكردفان وأجزاء من شرق السودان.
تطورات ميدانية وأزمة نزوح غير مسبوقة
شهدت الأشهر الأخيرة تحولات ميدانية كبيرة، حيث وسعت قوات الدعم السريع نطاق سيطرتها لتشمل ولاية الجزيرة، التي كانت تعتبر سلة غذاء السودان وملجأً آمنًا لمئات الآلاف من الفارين من القتال في الخرطوم. وكان سقوط عاصمة الولاية، ود مدني، في ديسمبر 2023 نقطة تحول أدت إلى موجة نزوح جديدة وهائلة. ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فقد تجاوز عدد النازحين داخل السودان 8 ملايين شخص، بينما فر أكثر من مليوني شخص آخرين إلى دول الجوار مثل تشاد ومصر وجنوب السودان، مما يجعلها أكبر أزمة نزوح داخلي على مستوى العالم حاليًا.
الوضع الإنساني الكارثي
أدى استمرار القتال إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية والخدمات الأساسية في مناطق واسعة من البلاد. وقد حذرت منظمات الإغاثة الدولية من أن السودان يتجه نحو مجاعة وشيكة، حيث يواجه ما يقرب من 18 مليون شخص انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي. وتتفاقم الأزمة بسبب العوامل التالية:
- انهيار القطاع الصحي: خرجت معظم المستشفيات والمرافق الصحية عن الخدمة في مناطق النزاع بسبب القصف المباشر أو نقص الإمدادات الطبية والكوادر.
- انتشار الأمراض: أدت الظروف المعيشية المتردية في مخيمات النازحين وتلوث مصادر المياه إلى تفشي أمراض مثل الكوليرا والحصبة.
- انتهاكات حقوق الإنسان: وثقت تقارير حقوقية دولية ارتكاب جرائم حرب واسعة النطاق من قبل طرفي النزاع، بما في ذلك هجمات عشوائية على المدنيين، وعنف جنسي ممنهج، وعمليات قتل على أساس عرقي، خاصة في دارفور.
- صعوبة وصول المساعدات: يواجه العاملون في المجال الإنساني صعوبات جمة في الوصول إلى المتضررين بسبب انعدام الأمن والقيود التي يفرضها الطرفان المتحاربان.
موقف الحكومة السودانية وردود الفعل الدولية
في ظل تفاقم الكارثة، كثفت الحكومة السودانية، التي يقودها الجيش، من انتقاداتها للمجتمع الدولي. واتهم مسؤولون سودانيون في خطابات أمام مجلس الأمن الدولي ووسائل الإعلام العالم بـ "الكيل بمكيالين"، مشيرين إلى أن الاهتمام الدولي بالأزمة في السودان لا يرقى لمستوى الأزمات الأخرى. كما وجهت الحكومة اتهامات مباشرة لدولة الإمارات العربية المتحدة بدعم قوات الدعم السريع عسكريًا، وهو ما تنفيه أبوظبي. من جانبه، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على شخصيات وكيانات من طرفي النزاع، كما عقدت عدة مؤتمرات للمانحين لجمع التبرعات، إلا أن الاستجابة المالية لخطة المساعدات الإنسانية لا تزال ضعيفة للغاية، حيث لم يتم تمويل سوى جزء ضئيل من المبلغ المطلوب. وتستمر الدعوات الدولية لوقف فوري لإطلاق النار واستئناف العملية السياسية، لكن الجهود الدبلوماسية لم تحقق حتى الآن أي اختراق يذكر على الأرض.





