تكَدُّس ناقلات الغاز المسال قبالة السواحل المصرية في ظل تراجع الطلب
في تطور يعكس التحولات السريعة في سوق الطاقة المحلية، تواجه مصر حاليًا تحديًا لوجستيًا يتمثل في انتظار ما لا يقل عن ست ناقلات محملة بالغاز الطبيعي المسال قبالة سواحلها، مع وجود سفينتين أخريين في المنطقة المجاورة، دون تمكنها من تفريغ حمولاتها. يأتي هذا الازدحام، الذي يتركز بشكل أساسي بالقرب من ميناء العين السخنة، نتيجة مباشرة للانخفاض الحاد في استهلاك الكهرباء مع انتهاء موجات الحر الصيفية وتراجع درجات الحرارة، مما أدى إلى وجود فائض في الإمدادات التي تم التعاقد عليها مسبقًا لتجنب أزمة انقطاع التيار الكهربائي.

أسباب الأزمة: من ذروة الطلب إلى فائض العرض
تعود جذور هذا الموقف إلى الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها الحكومة المصرية خلال الأشهر الماضية لتأمين احتياجات البلاد من الطاقة خلال فصل الصيف. فبعد أن شهد صيف عام 2023 انقطاعات واسعة ومطولة للتيار الكهربائي بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات، سعت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) إلى تجنب تكرار هذا السيناريو. ولهذا الغرض، قامت الشركة بالتعاقد على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال من السوق الفورية العالمية، بهدف تلبية الطلب القياسي على الكهرباء لأغراض التبريد وتكييف الهواء.
ومع انحسار موجات الحر في شهري سبتمبر وأكتوبر، انخفض الطلب على الكهرباء بشكل ملحوظ وبوتيرة أسرع من المتوقع. هذا التراجع أدى إلى عدم حاجة الشبكة القومية للكهرباء لكميات الغاز الإضافية التي كانت مخصصة لها، مما خلق فائضًا في الإمدادات المستوردة التي بدأت تصل تباعًا إلى الموانئ المصرية.
خلفية التحول في سوق الطاقة المصري
شهدت مصر خلال العقد الماضي تحولاً كبيرًا في وضعها الطاقوي. فبعد أن كانت دولة مُصدّرة للغاز الطبيعي بفضل اكتشافات كبرى مثل حقل "ظهر" العملاق، أدى تزايد الاستهلاك المحلي إلى جانب التراجع الطبيعي في إنتاج بعض الحقول إلى تحولها إلى مستورد صافٍ للغاز خلال فترات ذروة الطلب الصيفية. ولتسهيل عملية الاستيراد، استأجرت مصر وحدة تخزين عائمة وإعادة تغويز (FSRU) تُعرف باسم Höegh Galleon، والتي رست في ميناء العين السخنة في شهر يونيو الماضي. هذه الوحدة تلعب دورًا حيويًا في تحويل الغاز المسال المستورد من حالته السائلة إلى الحالة الغازية قبل ضخه في الشبكة الوطنية.
كان استئجار هذه الوحدة جزءًا من استراتيجية قصيرة المدى تهدف إلى سد الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك المتزايد، خاصة وأن البلاد تسعى للحفاظ على قدرتها على تصدير كميات محدودة من الغاز خلال فصل الشتاء لتحقيق إيرادات بالعملة الصعبة.
التداعيات الاقتصادية واللوجستية
يترتب على تأخير تفريغ الناقلات تكاليف مالية مباشرة تتحملها الدولة. فبموجب العقود البحرية، تفرض على المستأجر غرامات تأخير يومية تُعرف بـ "رسوم الغرامات التأخيرية" (Demurrage) عن كل يوم تبقى فيه السفينة منتظرة بعد الفترة المحددة للتفريغ. ومع وجود عدة سفن في حالة انتظار، يمكن أن تصل هذه التكاليف إلى مبالغ كبيرة، مما يضيف عبئًا على موارد الدولة من العملة الأجنبية التي هي في أمس الحاجة إليها.
إلى جانب التكلفة المالية، يمثل هذا الازدحام تحديًا لوجستيًا، حيث إن قدرة وحدة إعادة التغويز محدودة، وعملية تفريغ كل ناقلة تستغرق وقتًا. ومع انخفاض سحب الغاز من الشبكة، تتباطأ عملية التفريغ بشكل أكبر، مما يطيل من فترة انتظار السفن القادمة. وتشير بيانات تتبع السفن إلى أن بعض الناقلات تنتظر دورها منذ عدة أسابيع.
الخيارات المتاحة والسيناريوهات المستقبلية
أمام هذا الوضع، تدرس السلطات المصرية عدة خيارات للتعامل مع الشحنات الفائضة. أحد الحلول الممكنة هو الاستمرار في تفريغ الشحنات بوتيرة بطيئة على مدى الأسابيع المقبلة، وتخزين الغاز في الشبكة أو استخدامه لتلبية الطلب المتوقع مع بداية فصل الشتاء لأغراض التدفئة.
الخيار الآخر الذي قد تلجأ إليه "إيجاس" هو محاولة إعادة بيع بعض هذه الشحنات في السوق الفورية العالمية. ومع ذلك، يعتمد نجاح هذا الخيار على أسعار الغاز الحالية، وقد ينطوي على تحقيق خسارة إذا كانت أسعار البيع أقل من أسعار الشراء الأصلية. وفي كل الأحوال، يسلط هذا الموقف الضوء على التحديات المعقدة التي تواجه الدول المستوردة للطاقة في الموازنة بين تأمين الإمدادات لتجنب النقص ومخاطر حدوث فائض مكلف ماليًا.





