تهديد أبل بسحب ميزات آيفون الأساسية على خلفية اتهام بولندي
في تطور لافت ضمن صراعها المستمر مع الهيئات التنظيمية الأوروبية، أصدرت شركة أبل تحذيراً شديد اللهجة يتعلق بإحدى أهم ميزات الخصوصية في هواتف آيفون. جاء هذا التحذير بعد أن وجهت هيئة المنافسة البولندية اتهاماً للشركة، يزعم تضليل المستخدمين حول مستوى الخصوصية الذي توفره ميزة "شفافية تتبع التطبيقات" (App Tracking Transparency - ATT). وقد هددت أبل بسحب هذه الميزة المحورية بالكامل من مستخدمي الاتحاد الأوروبي، مما يضع مستقبل حماية البيانات الرقمية في المنطقة على المحك.

خلفية: ميزة شفافية تتبع التطبيقات (ATT)
قدمت أبل ميزة شفافية تتبع التطبيقات مع تحديث iOS 14.5 في أبريل 2021، في خطوة وصفتها بأنها تعزز خصوصية المستخدمين بشكل جذري. تتطلب هذه الميزة من جميع التطبيقات الحصول على موافقة صريحة من المستخدم قبل تتبع نشاطه عبر تطبيقات ومواقع الويب الأخرى. وقد صُممت لتمكين المستخدمين من التحكم بشكل أكبر في بياناتهم الشخصية، واختيار ما إذا كانوا يرغبون في مشاركتها مع المعلنين أم لا.
أحدثت هذه الميزة تحولاً كبيراً في قطاع الإعلانات الرقمية، حيث تسببت في تحديات لشركات تعتمد بشكل كبير على تتبع المستخدمين لاستهداف الإعلانات، مثل ميتا (فيسبوك سابقاً)، مشيرة إلى أنها أثرت سلباً على عائداتها الإعلانية. في المقابل، شددت أبل على أن ATT هي حق أساسي للمستخدم وليست أداة لمنافسة الشركات الأخرى.
الاتهام البولندي وتأثيره
بدأت هيئة المنافسة وحماية المستهلك البولندية (UOKiK) تحقيقاتها ضد أبل، مركزة على ميزة ATT. ووفقاً لملخص القضية الأولية، تتهم الهيئة الشركة بـ تضليل المستخدمين بشأن المدى الفعلي للخصوصية التي توفرها الميزة. يشير هذا الاتهام إلى أن الطريقة التي تُقدم بها أبل ATT أو تعمل بها قد لا تتوافق مع التوقعات التي تنشئها لدى المستخدمين بخصوص حماية بياناتهم، أو ربما تمنح أبل نفسها ميزة تنافسية غير عادلة في سوق الإعلانات الرقمية.
تُعد الاتهامات المتعلقة بالتضليل خطيرة، حيث يمكن أن تؤدي إلى فرض غرامات كبيرة وتغييرات إلزامية في ممارسات الشركة. تهدف UOKiK إلى التحقق مما إذا كانت ممارسات أبل المتعلقة بـ ATT تساهم في تشويه المنافسة في سوق الإعلانات، وما إذا كانت الشركة تستفيد من موقعها المهيمن على منصة iOS.
رد أبل والتهديد بسحب الميزة
ردت أبل على الاتهامات البولندية بالدفاع عن ميزة ATT بقوة، مؤكدة أنها ركيزة أساسية لالتزامها بخصوصية المستخدمين. وتجادل الشركة بأن ATT تمنح المستخدمين الشفافية والتحكم في بياناتهم، وهي مبدأ أساسي تعتمد عليه سياساتها.
في المقابل، جاء التهديد الصريح بسحب ميزة ATT بالكامل من مستخدمي الاتحاد الأوروبي. أوضحت أبل أنها قد تضطر إلى اتخاذ هذه الخطوة إذا ما أُجبرت على إجراء تغييرات على الميزة من شأنها أن تقوض فعاليتها في حماية الخصوصية، أو إذا كانت التفسيرات التنظيمية المختلفة تتطلب تعديلات متضاربة تجعل تنفيذها مستحيلاً. ترى أبل أن التنازل عن مبادئ الخصوصية الأساسية قد يكون ثمناً باهظاً، وقد تفضل إزالة الميزة بدلاً من تشغيلها بشكل لا يخدم الغرض الأصلي منه، أو لا يتوافق مع رؤيتها لحماية البيانات.
السياق التنظيمي الأوسع في الاتحاد الأوروبي
لا يُعد هذا النزاع مع بولندا حادثة معزولة، بل هو جزء من سلسلة طويلة من التحديات التنظيمية التي تواجهها أبل في الاتحاد الأوروبي. تستهدف تشريعات مثل قانون الأسواق الرقمية (DMA) شركات التكنولوجيا الكبرى لضمان المنافسة العادلة وفتح المنصات. وقد أدى هذا القانون إلى إجراء تغييرات جذرية على طريقة عمل أبل في أوروبا، بما في ذلك السماح بمتاجر تطبيقات بديلة وخيارات دفع مختلفة.
تتعرض أبل باستمرار للتدقيق بشأن ممارساتها المتعلقة بمتجر التطبيقات ورسومه، وكيفية تعاملها مع الوصول إلى التقنيات الأساسية مثل NFC، بالإضافة إلى قضايا قابلية التشغيل البيني لخدمات مثل iMessage. يُنظر إلى التهديد بسحب ATT كخطوة استراتيجية من أبل لتسليط الضوء على التعقيدات والتحديات التي تواجهها في محاولتها الامتثال للوائح المتعددة التي قد تبدو متناقضة أحياناً.
الآثار المحتملة لسحب ATT
- للمستخدمين: سيؤدي سحب ميزة ATT إلى فقدان أداة قوية للتحكم في خصوصية البيانات. قد يجد المستخدمون الأوروبيون أنفسهم أمام سيناريو يتم فيه تتبع نشاطهم الرقمي بشكل أوسع دون طلب موافقة صريحة، مما يعيد المنطقة إلى نموذج أقل حماية للخصوصية.
- للمطورين والمعلنين: قد يؤدي هذا إلى حالة من عدم اليقين في صناعة الإعلانات الرقمية. ففي حين أن ATT تسببت في تحديات للمعلنين، إلا أن إزالتها قد تزيل الإطار التنظيمي الحالي، مما يتطلب تكييفات جديدة وقد يؤثر على نماذج الأعمال الحالية.
- لسمعة أبل: قد يضر سحب ميزة تُروج لها كعنصر أساسي للخصوصية بسمعة أبل كشركة رائدة في هذا المجال، خاصة إذا ما تم ذلك تحت ضغط تنظيمي.
- للمنظمين الأوروبيين: يمثل هذا تحدياً لسلطة المنظمين، حيث يُظهر أن شركات التكنولوجيا الكبرى قد تفضل سحب الميزات بدلاً من الامتثال للمتطلبات التي تعتبرها غير عملية أو ضارة بمبادئها.
الآفاق المستقبلية
لا يزال التحقيق الذي تجريه هيئة UOKiK مستمراً. من المرجح أن يستمر الحوار بين أبل والجهات التنظيمية الأوروبية في محاولة لإيجاد حل وسط يرضي متطلبات الامتثال دون المساس بالوظائف الأساسية للميزة أو مبادئ الخصوصية التي تروج لها أبل. ستكون نتيجة هذه القضية ذات أهمية بالغة، ليس فقط لأبل ومستخدميها، بل أيضاً لتحديد مسار العلاقة بين عمالقة التكنولوجيا والهيئات التنظيمية في أوروبا فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة.





