جوجل تساعد أبل على الإطاحة بأغلى شركة في العالم
في تطور لافت يترقب فيه العالم تحولاً جذرياً في قمة الشركات العالمية من حيث القيمة السوقية، تقف أبل على وشك استعادة لقب الشركة الأغلى في العالم، متجاوزة بذلك عملاق الرقائق إنفيديا. ما يجعل هذا الحدث أكثر إثارة هو الدور غير المباشر الذي لعبته شركة جوجل في هذه الديناميكية السوقية المعقدة، والتي أدت إلى هذا التقارب الشديد في التقييمات. تشير التقارير الاقتصادية والتحليلات السوقية الحديثة إلى أن أبل باتت على بعد بضع نقاط مئوية فقط من تجاوز إنفيديا، وسط تحولات كبيرة في اهتمامات المستثمرين والتوجهات التقنية.

صعود إنفيديا المدفوع بالذكاء الاصطناعي
شهدت شركة إنفيديا، على مدار العامين الماضيين، صعودًا صاروخيًا لم يسبق له مثيل، مدفوعًا بشكل أساسي بالطلب الهائل على وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) الخاصة بها، والتي تعد العمود الفقري لتطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية. أصبحت رقائقها ضرورية لمراكز البيانات التي تدير خوارزميات التعلم العميق، مما جعلها اللاعب الأبرز في ثورة الذكاء الاصطناعي. هذا الطلب المتزايد دفع قيمتها السوقية لتتجاوز التريليوني دولار، ثم الثلاثة تريليونات دولار في أوائل عام 2024، لتتوجها كأغلى شركة في العالم لفترة وجيزة، متجاوزة بذلك شركات عملاقة مثل أبل ومايكروسوفت. كان المستثمرون يتدفقون على أسهم إنفيديا، معتقدين أنها الحصان الرابح الوحيد في سباق الذكاء الاصطناعي.
ثبات أبل وقوتها في النظام البيئي
على الجانب الآخر، لطالما حافظت أبل على مكانتها كواحدة من أكثر الشركات قيمة في العالم، بفضل نظامها البيئي المتكامل الذي يضم أجهزة مثل آيفون وآيباد وماك، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الخدمات المربحة. رغم أن أبل لم تشهد نفس الارتفاع الجنوني الذي شهدته إنفيديا، إلا أن نموها المستمر وولاء عملائها ومكانتها الراسخة في السوق سمحت لها بالاحتفاظ بتقييمات سوقية ضخمة. ومع ذلك، واجهت أبل تحديات تتعلق بتباطؤ نمو المبيعات في بعض الأسواق وتساؤلات حول استراتيجيتها في مجال الذكاء الاصطناعي مقارنة بمنافسيها.
دور جوجل غير المباشر في تغيير المشهد
يكمن السر وراء مساعدة جوجل غير المباشرة لأبل في تغيير المشهد في تحركاتها واستراتيجياتها الواسعة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي أثرت على نظرة المستثمرين لسوق الذكاء الاصطناعي ككل. إليك كيف حدث ذلك:
- التركيز على الذكاء الاصطناعي على الجهاز: لطالما كانت جوجل رائدة في تطوير الذكاء الاصطناعي، ومع إطلاق نماذج مثل Gemini Nano وتوسعها في دمج الذكاء الاصطناعي مباشرة في الأجهزة المحمولة، عززت جوجل مفهوم أن الذكاء الاصطناعي الفعال لا يقتصر على مراكز البيانات الضخمة التي تعتمد بشكل كبير على رقائق إنفيديا، بل يمكن أن يكون قوياً ومؤثراً على مستوى الجهاز نفسه.
- توسيع تعريف الفائزين بالذكاء الاصطناعي: من خلال استثماراتها الهائلة في الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتنوعة، ساعدت جوجل في توسيع فهم المستثمرين لمن هم «الفائزون» في عصر الذكاء الاصطناعي. لم يعد الأمر مقتصراً على شركات تصنيع الرقائق لمراكز البيانات فحسب، بل يشمل أيضاً الشركات التي تتمتع بقدرات قوية في تصميم الرقائق الخاصة بها (مثل شرائح Apple Silicon) وتكامل الذكاء الاصطناعي في أنظمتها الأساسية ومنتجاتها الاستهلاكية.
- إطلاق أبل لـ «Apple Intelligence»: بالتزامن مع هذا التوجه، كشفت أبل في يونيو 2024 عن مبادرتها للذكاء الاصطناعي، «Apple Intelligence»، التي تدمج قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدية بعمق في نظام iOS وiPadOS وmacOS، مع التركيز على الخصوصية والتشغيل على الجهاز بفضل شرائحها المصممة خصيصًا. هذا الإعلان، في سياق تشجيع جوجل على الذكاء الاصطناعي على الجهاز، عزز من ثقة المستثمرين في قدرة أبل على المنافسة بقوة في هذا المجال، ليس فقط كشركة أجهزة وخدمات، بل كقوة دافعة للذكاء الاصطناعي الاستهلاكي.
- تحويل تركيز السوق: إن تحركات جوجل الأوسع في الذكاء الاصطناعي، والتي تشمل كل من الحوسبة السحابية وعلى الجهاز، أدت إلى تحويل بعض تركيز السوق بعيدًا عن الاعتماد الكلي على إنفيديا كرمز وحيد لثورة الذكاء الاصطناعي. أصبح المستثمرون يبحثون عن فرص استثمارية متنوعة في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الشركات التي يمكنها الاستفادة من الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع عبر منتجاتها وخدماتها، وهو ما يجعل أبل خيارًا جذابًا للغاية.
ديناميكيات السوق وتقييم المستثمرين
في الأيام الأخيرة من شهر يونيو 2024، ومع استمرار تقلبات السوق، بدأت أسهم إنفيديا تشهد بعض التصحيحات بعد ارتفاعها الجنوني، بينما استمرت أسهم أبل في الصعود بفضل تفاؤل المستثمرين بشأن استراتيجيتها الجديدة في الذكاء الاصطناعي وقدرتها على تحقيق إيرادات جديدة من هذا القطاع. هذا التحول في المشاعر، الذي ساهمت فيه جوجل بشكل غير مباشر عبر ترسيخ فكرة أن الذكاء الاصطناعي هو محرك نمو شامل للشركات التي تتبناه بفعالية في منتجاتها النهائية، دفع بتقييم أبل السوقي ليتساوى تقريباً مع إنفيديا، ويضعها على أعتاب استعادة لقب الشركة الأغلى في العالم.
التداعيات والآفاق المستقبلية
إذا نجحت أبل في تجاوز إنفيديا، فإن ذلك لن يكون مجرد تغيير في أرقام القيمة السوقية، بل سيشير إلى تحول أعمق في سردية سوق التكنولوجيا. سيعكس ذلك أن القيمة لا تكمن فقط في البنية التحتية الأساسية للذكاء الاصطناعي، بل أيضاً في القدرة على دمج الذكاء الاصطناعي بسلاسة في تجارب المستخدمين اليومية على نطاق واسع. كما يسلط الضوء على استمرار المنافسة الشرسة بين عمالقة التكنولوجيا على الريادة في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى كل شركة لتشكيل مستقبل التكنولوجيا بطريقتها الخاصة.





