تواصل التحركات المصرية بعد قمة شرم الشيخ لحماية وقف إطلاق النار من انتهاكات الاحتلال
تواصل جمهورية مصر العربية جهودها الدبلوماسية المكثفة والتحركات السياسية المستمرة منذ انعقاد قمة شرم الشيخ، بهدف إنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار الهش في الأراضي الفلسطينية. تأتي هذه المساعي الحثيثة لمواجهة ما تعتبره القاهرة انتهاكات مستمرة من قبل الاحتلال، والتي تهدد بإشعال فتيل صراع أوسع وتقويض الاستقرار الإقليمي. يعكس هذا الحراك الدبلوماسي المصري المتواصل الدور المحوري لمصر كوسيط إقليمي والتزامها العميق تجاه استقرار المنطقة، خاصة في ظل تصاعد التوترات في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الأشهر الأخيرة.
الخلفية وتصاعد التوترات
لم تكن قمة شرم الشيخ سوى استجابة مباشرة لتصاعد غير مسبوق في أعمال العنف وتدهور الوضع الأمني في أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقبل انعقاد القمة، شهدت المنطقة موجة من العمليات العسكرية، وعنف المستوطنين، والاشتباكات التي أدت إلى سقوط العديد من الضحايا. وقد أدت هذه التطورات إلى تآكل الثقة بين الأطراف المعنية وتهديد التفاهمات السابقة المتعلقة بوقف إطلاق النار، والتي كانت مصر طرفاً رئيسياً في صياغة العديد منها. يشير مصطلح «وقف إطلاق النار» في هذا السياق إلى التفاهمات، غالباً غير الرسمية، بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، لا سيما حماس والجهاد الإسلامي في غزة، بهدف وقف الأعمال العدائية. ومع ذلك، فإن السياق الأوسع يشمل التوترات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والسياسات الإسرائيلية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة الفلسطينيين اليومية، مثل توسيع المستوطنات وهدم المنازل. لقد لعبت مصر تاريخياً دوراً لا غنى عنه في جهود التهدئة، مستفيدة من علاقاتها الاستراتيجية مع القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية لتجنب صراعات أوسع.
قمة شرم الشيخ والجهود الدبلوماسية
القمة التي استضافتها شرم الشيخ، وجمعت ممثلين عن مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، سعت لتحقيق أهداف حاسمة. كان الهدف الأساسي هو تأمين التزام متجدد بالهدوء وتخفيف حدة التوتر، ومنع الانهيار التام للترتيبات الأمنية. تركزت المناقشات على خطوات عملية لخفض العنف وبناء الثقة ومعالجة بعض الأسباب الكامنة وراء الاحتكاك. استخدمت مصر، بصفتها الدولة المضيفة، ثقلها الدبلوماسي لتسهيل الحوار بين الأطراف المتنازعة غالباً. سعت القمة إلى إرساء أساس لبيئة أكثر استقراراً، مع إدراك أن السلام المستدام يتطلب أكثر من مجرد وقف للأعمال العدائية المباشرة؛ فهو يستلزم معالجة الأسباب الجذرية للاستياء وضمان احترام الاتفاقيات الدولية. وقد وفرت الاتفاقات التي تم التوصل إليها، وإن كانت أحياناً غامضة، إطاراً للمشاركة المستقبلية والتزاماً بتجنب الإجراءات الأحادية التي قد تؤجج الوضع.
التحديات المستمرة وانتهاكات الاحتلال
على الرغم من الالتزامات التي تم التعهد بها في شرم الشيخ، فقد شهدت الفترة اللاحقة للقمة تحديات مستمرة. تشير «انتهاكات الاحتلال» إلى مجموعة من الإجراءات التي يعتبرها المراقبون الفلسطينيون والعرب مخالفة لروح اتفاقيات وقف إطلاق النار، إن لم تكن لنصها الصريح، والقانون الدولي. وتشمل هذه الإجراءات:
- التوسع الاستيطاني: استمرار بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، مما يؤدي غالباً إلى مصادرة الأراضي وتهجير الفلسطينيين.
- الاقتحامات المتكررة: التوغلات العسكرية المتكررة في المدن والمخيمات الفلسطينية، لا سيما في الضفة الغربية، مما يسفر عن اشتباكات واعتقالات.
- سياسات هدم المنازل: هدم منازل الفلسطينيين، غالباً بحجة عدم وجود تصاريح بناء، والتي يصعب على الفلسطينيين الحصول عليها في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل.
- عنف المستوطنين: حوادث العنف التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون ضد المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم، وغالباً ما تكون مصحوبة بتدخل غير كافٍ من قوات الأمن الإسرائيلية.
- القيود على الحركة: فرض نقاط تفتيش وقيود على حركة الفلسطينيين، مما يؤثر على حياتهم اليومية وأنشطتهم الاقتصادية.
تعتبر هذه الإجراءات على نطاق واسع تقويضاً لأي محاولات للتهدئة وخلق بيئة مواتية لتجدد الصراع، مما يدفع المنطقة أقرب إلى أزمة شاملة أخرى.
التحركات المصرية لإنقاذ الموقف
رداً على هذه التطورات، كثفت مصر من «حراكها» الدبلوماسي. ينطوي هذا على نهج متعدد الأوجه:
- الدبلوماسية المكوكية: يشارك كبار مسؤولي المخابرات والدبلوماسيين المصريين في زيارات مستمرة بين رام الله وتل أبيب وغزة، لنقل الرسائل ومحاولة ردم الفجوات بين الأطراف.
- المشاورات رفيعة المستوى: تجرى اتصالات واجتماعات منتظمة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقادة إقليميين ودوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة والأردن والسلطة الفلسطينية، لتنسيق الجهود وحشد الدعم للتهدئة.
- المشاركة المباشرة: تحتفظ مصر بقنوات اتصال مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس، مما يضعها في موقع فريد للوساطة. الهدف هو الضغط على جميع الأطراف للالتزام بالتفاهمات السابقة والامتناع عن الإجراءات الاستفزازية.
- التركيز الإنساني: جزء من الجهود المصرية يتضمن أيضاً تسهيل المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار في غزة، مما يؤكد التزامها برفاهية الفلسطينيين واستقرار القطاع.
يكمن اهتمام القاهرة الاستراتيجي في منع صراع إقليمي كبير قد يكون له تداعيات اقتصادية وأمنية خطيرة على مصر نفسها. وتتمثل سياستها طويلة الأمد في دعم حل الدولتين وضمان حقوق الفلسطينيين.
أهمية هذه الجهود وتداعياتها
تعتبر الجهود المصرية المتواصلة حاسمة لعدة أسباب. أولاً، إنها تشكل حاجزاً حيوياً ضد صراع أوسع وربما مدمر من شأنه أن يبتلع المنطقة بأكملها. فبدون دور وساطة قوي، يمكن أن تتصاعد دوامة العنف بسرعة لتخرج عن السيطرة. ثانياً، تهدف هذه المناورات الدبلوماسية إلى إبقاء آفاق الحل السياسي قائمة، مهما بدت بعيدة، من خلال منع التآكل الكامل للثقة وتجذر التطرف. ثالثاً، إن ضمان الاستقرار في الأراضي الفلسطينية له تداعيات مباشرة على الأمن الإقليمي، لا سيما بالنسبة للدول المجاورة مثل الأردن ومصر، التي تتحمل العبء الأكبر لأي أزمات إنسانية أو تدفقات للاجئين. يدرك المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى حد كبير ويؤيد الدور المصري الوسيط، معتبراً إياه لا غنى عنه للحفاظ على مظهر من الهدوء ومنع المزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط المضطرب بالفعل. وتعني الطبيعة المستمرة لهذه التحديات أن «الحراك» المصري من غير المرجح أن يتوقف قريباً، حيث يظل طريق السلام الدائم محفوفاً بالعقبات.





