جدل حول إدارة أراضي طرح النهر وسياسات وزارة الري المصرية
أثير مؤخراً نقاش واسع في مصر حول إدارة الأراضي المتاخمة لمجرى نهر النيل، والمعروفة باسم «أراضي طرح النهر»، وذلك في أعقاب غمر المياه لمساحات زراعية ومبانٍ في عدد من المحافظات. وقد أصدرت وزارة الموارد المائية والري المصرية بيانات توضيحية حول الموقف، مما سلط الضوء على التحديات المعقدة التي تواجه الدولة في الموازنة بين حماية النهر، وتطبيق القانون، والمصالح الاقتصادية للمواطنين.

خلفية القضية: طبيعة أراضي طرح النهر
تنشأ أراضي طرح النهر نتيجة للتغيرات الطبيعية في مسار النهر على مر الزمن، حيث تنحسر المياه عن مناطق معينة تاركة وراءها أراضٍ خصبة للغاية. تاريخياً، استغل المزارعون هذه الأراضي للزراعة الموسمية، وتخضع ملكيتها للدولة التي كانت تؤجرها للمواطنين في كثير من الأحيان. إلا أن هذه المناطق تقع ضمن ما يُعرف قانونياً بـ«حرم النهر»، وهي المنطقة المحاذية للمجرى المائي والتي يُفترض أن تكون مخصصة لتصريف المياه الزائدة أثناء الفيضانات أو زيادة المناسيب، ويحظر القانون إقامة منشآت ثابتة عليها.
التطورات الأخيرة وموقف وزارة الري
خلال الفترة الأخيرة، شهدت عدة مناطق على طول النيل، خاصة في محافظات الصعيد، ارتفاعاً في منسوب المياه أدى إلى غرق أراضٍ مزروعة وممتلكات. رداً على ذلك، أوضحت وزارة الري أن هذه الظاهرة طبيعية وتحدث بسبب ديناميكية حركة النهر وتغير مساره. وأكدت الوزارة أن معظم المناطق المتضررة هي في الأساس تعديات على حرم النهر، وأن الدولة مستمرة في حملاتها لإزالة هذه التعديات بموجب القانون رقم 147 لسنة 2021، الذي يهدف إلى حماية الموارد المائية والمجاري المائية من التلوث والتعدي.
وشددت الوزارة على أن الحفاظ على حرم النهر ليس فقط مسألة قانونية، بل هو ضرورة فنية لضمان قدرة المجرى المائي على استيعاب التصرفات المائية المختلفة، خاصة في ظل التحديات المائية التي تواجهها مصر. وأشارت إلى أن ترك هذه التعديات يعرض حياة المواطنين وممتلكاتهم للخطر، ويعيق جهود الدولة في إدارة الموارد المائية بكفاءة.
أبعاد الأزمة وردود الفعل
تمثل هذه القضية تقاطعاً بين عدة أبعاد. فمن ناحية، هناك البعد الإنساني والاجتماعي، حيث يعتمد آلاف المزارعين على هذه الأراضي كمصدر رئيسي للدخل، وقد ورث بعضهم حق استغلالها عبر أجيال، مما يجعل قرارات الإزالة مؤثرة بشكل كبير على حياتهم. وقد طالب المتضررون بضرورة إيجاد حلول بديلة أو تعويضات مناسبة.
ومن ناحية أخرى، تبرز الرؤية الحكومية التي ترتكز على سيادة القانون وحماية المورد المائي الأكثر استراتيجية في البلاد. وتنظر السلطات إلى حملات الإزالة كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة الانضباط واسترداد أراضي الدولة، وضمان عدم تكرار أزمات فيضان أو تلوث تهدد الأمن المائي القومي. ويرى الخبراء أن هذه المواجهة تعكس العلاقة المتغيرة بين الدولة والنهر، حيث لم يعد من الممكن التعامل معه كمورد ثابت، بل ككيان حيوي متغير يتطلب إدارة حكيمة ومرنة.
الأهمية والسياق الأوسع
تكتسب هذه القضية أهميتها من كونها نموذجاً للتحديات التي تواجهها مصر في إدارة مواردها الطبيعية المحدودة. فهي تسلط الضوء على ضرورة تحديث السياسات المائية والزراعية لتتواءم مع المتغيرات المناخية والديموغرافية. كما أنها تفتح الباب أمام نقاش مجتمعي حول كيفية تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية المحلية، التي يعتمد عليها المواطنون، وبين المتطلبات الاستراتيجية للدولة في حماية أهم شريان للحياة في مصر، وهو نهر النيل.





