جيش مدغشقر يتولى السلطة ويسلمها للمعارضة بعد إجبار الرئيس على التنحي
في تطور سياسي حاسم شهدته مدغشقر في مارس 2009، تولى الجيش السيطرة على البلاد عقب استقالة الرئيس مارك رافالومانانا تحت ضغط شعبي وعسكري. لم تدم سيطرة المؤسسة العسكرية طويلاً، حيث قامت في غضون ساعات بنقل السلطة إلى زعيم المعارضة آنذاك، أندري راجولينا، في خطوة أدت إلى أزمة دستورية عميقة وعزلة دولية للبلاد لسنوات.

خلفية الأزمة السياسية
سبق هذا التحول أشهر من التوترات المتصاعدة والاحتجاجات الحاشدة التي قادها راجولينا، الذي كان يشغل منصب عمدة العاصمة أنتاناناريفو. تركزت المظاهرات ضد سياسات الرئيس رافالومانانا، الذي واجه اتهامات متزايدة بالاستبداد وإهدار المال العام. كانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي صفقة مثيرة للجدل خططت الحكومة بموجبها لتأجير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لشركة دايو لوجيستيكس الكورية الجنوبية، مما أثار غضباً وطنياً واسعاً ومخاوف بشأن السيادة الغذائية للبلاد.
التطورات الميدانية ودور الجيش
مع تصاعد حدة الاحتجاجات، بدأ ولاء الجيش بالانقسام. وفي الأسابيع التي سبقت استقالة الرئيس، تحركت وحدات من الجيش لدعم المعارضة وسيطرت على مواقع استراتيجية في العاصمة. بلغ الصراع ذروته في 17 مارس 2009، عندما أُجبر الرئيس رافالومانانا على تقديم استقالته، وقام بتسليم السلطة إلى هيئة عسكرية عليا. إلا أن هذه الهيئة، وبشكل شبه فوري، أعلنت رفضها تولي الحكم مباشرة وسلمت مقاليد الأمور إلى أندري راجولينا، الذي أعلن نفسه رئيساً لسلطة انتقالية عليا، متجاوزاً بذلك الإجراءات الدستورية لتداول السلطة.
ردود الفعل المحلية والدولية
على الصعيد الدولي، قوبل هذا التغيير في السلطة بإدانة واسعة النطاق، حيث وصفه العديد من الفاعلين الدوليين بأنه انقلاب. وقد ترتب على ذلك عواقب وخيمة على مدغشقر، من بينها:
- تعليق العضوية: قام كل من الاتحاد الأفريقي ومجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (SADC) بتعليق عضوية مدغشقر.
- عقوبات اقتصادية: فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومانحون دوليون آخرون عقوبات على البلاد وأوقفوا المساعدات الحيوية.
- رفض الاعتراف: رفض المجتمع الدولي الاعتراف بشرعية حكومة راجولينا الانتقالية، مما أدخل البلاد في عزلة دبلوماسية.
داخلياً، احتفل أنصار راجولينا بالحدث باعتباره انتصاراً لثورة شعبية، بينما اعتبره أنصار الرئيس المعزول انقلاباً عسكرياً غير شرعي، مما أدى إلى استمرار حالة الانقسام السياسي في البلاد.
الأهمية والتداعيات
يمثل هذا الحدث نقطة تحول مهمة في تاريخ مدغشقر الحديث، حيث كشف عن هشاشة المؤسسات الديمقراطية في البلاد وأدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي استمرت لسنوات. أدت العقوبات الدولية وتجميد المساعدات إلى تدهور حاد في الاقتصاد، مما أثر بشكل مباشر على حياة المواطنين. لم تعد البلاد إلى المسار الدستوري الكامل إلا بعد إجراء انتخابات رئاسية في عام 2013، بعد مفاوضات طويلة وشاقة بوساطة إقليمية ودولية.





