حصار باماكو: حركات أزواد تكشف عن موقفها وتترقب التطورات
في تطور يعكس مدى تعقيد المشهد الأمني والسياسي في مالي، أعلنت حركات أزواد موقفها من الحصار الذي تفرضه جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التابعة لتنظيم القاعدة، على العاصمة باماكو. وفي بيان صدر مؤخراً، أكد السيد بن بيلا، وهو قيادي في الحركات الأزوادية، أنهم يراقبون عن كثب الاشتباكات الدائرة في جنوب البلاد بين الجيش المالي والجماعات المسلحة، مشيراً إلى أنهم يترقبون ما وصفه بـ "لحظة الحسم". هذا الموقف يكشف عن حالة من الترقب الاستراتيجي في صراع متعدد الأطراف، حيث يجد كل طرف نفسه في مواجهة خصوم متعددين بأهداف متضاربة.

خلفية الصراع المتشابك في مالي
تعيش مالي منذ أكثر من عقد حالة من عدم الاستقرار، بدأت بالتمرد الذي قادته حركات الطوارق في شمال البلاد عام 2012 للمطالبة باستقلال إقليم أزواد. استغلت الجماعات المتطرفة الفوضى التي أعقبت الانقلاب العسكري في العام نفسه للسيطرة على مساحات واسعة من الشمال، مما استدعى تدخلاً عسكرياً فرنسياً في عام 2013. ورغم توقيع اتفاق الجزائر للسلام في 2015 بين الحكومة المالية وبعض الحركات الأزوادية، إلا أن الاتفاق ظل هشاً ولم ينجح في تحقيق استقرار دائم. تتكون الساحة المالية حالياً من ثلاثة أطراف رئيسية: الحكومة العسكرية في باماكو المدعومة من مجموعة فاغنر الروسية، و"تنسيقية حركات أزواد" (CMA) التي تطالب بالحكم الذاتي، و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" (JNIM) التي تسعى لفرض رؤيتها المتطرفة على المنطقة بأكملها.
تصاعد التوتر واستراتيجية الحصار
شهدت الأشهر الأخيرة انهياراً شبه كامل لاتفاق السلام، مع استئناف المواجهات العسكرية بين الجيش المالي وحركات أزواد في مناطق الشمال. تزامن هذا التصعيد مع انسحاب بعثة الأمم المتحدة (مينوسما)، مما خلق فراغاً أمنياً كبيراً استغلته جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لتوسيع نفوذها. لجأت الجماعة مؤخراً إلى استراتيجية فرض الحصار على المدن الرئيسية، حيث بدأت بتطويق مدن تاريخية مثل تمبكتو وغاو، قبل أن تعلن عن نيتها توسيع هذا الحصار ليشمل العاصمة باماكو. يهدف هذا التكتيك إلى خنق الحكومة المركزية اقتصادياً وعسكرياً، وإثارة السخط الشعبي ضدها، وعزلها عن بقية أنحاء البلاد.
موقف حركات أزواد: بين العداوة والترقب
يأتي موقف حركات أزواد المعلن ليعبر عن الوضع المعقد الذي تعيشه. فعلى الرغم من أن كلاً من حركات أزواد وتنظيم القاعدة يقاتلان الجيش المالي، إلا أنهما ليسا حليفين، بل خصمان عقائديان يتنافسان على النفوذ. تنظر حركات أزواد إلى جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" كتهديد وجودي لمشروعها الوطني العلماني. تصريح القيادي بن بيلا بأن حركته "تراقب" الوضع وتنتظر "لحظة الحسم" يشير إلى أنها لن تتدخل مباشرة في القتال الدائر بين الجيش والقاعدة، بل ستنتظر لترى كيف ستؤثر هذه المواجهة على ميزان القوى. قد ترى الحركات في إنهاك طرفي الصراع فرصة لتحقيق مكاسب استراتيجية على الأرض وتعزيز موقفها التفاوضي أو العسكري في المستقبل.
الأهمية والتداعيات المحتملة
يكتسب هذا التطور أهمية بالغة كونه يسلط الضوء على تآكل سلطة الدولة في مالي وتزايد نفوذ الجماعات المسلحة، سواء الانفصالية أو المتطرفة. إن نجاح القاعدة في فرض حصار فعال على العاصمة سيمثل ضربة قاصمة للمجلس العسكري الحاكم وقد يؤدي إلى انهيار أمني واسع النطاق. على الصعيد الإنساني، يتسبب الحصار في معاناة شديدة للمدنيين من خلال قطع طرق الإمداد وارتفاع أسعار المواد الأساسية. أما موقف حركات أزواد فيضيف طبقة أخرى من التعقيد، حيث أن تحركاتها المستقبلية ستكون عاملاً حاسماً في تحديد مصير الدولة المالية، سواء نحو مزيد من التفكك أو نحو إعادة تشكيل الخريطة السياسية في منطقة الساحل بأكملها.




