فرنسا تحث مواطنيها على مغادرة مالي وسط تدهور أمني حاد
في خطوة تعكس عمق الأزمة الأمنية والسياسية، جددت وزارة الخارجية الفرنسية تحذيرها للمواطنين الفرنسيين، داعية إياهم إلى مغادرة مالي في أقرب وقت ممكن. وتأتي هذه التوصية المشددة، التي تم تحديثها مؤخراً عبر قنواتها الرسمية، في ظل ما وصفته باريس بـ"التدهور الحاد للوضع الأمني" وتزايد المخاطر التي تستهدف الرعايا الغربيين، بما في ذلك في العاصمة باماكو.

خلفية العلاقات المتوترة
يأتي هذا التحذير كحلقة جديدة في مسلسل تدهور العلاقات بين فرنسا ومالي، والذي شهد قطيعة شبه تامة خلال العامين الماضيين. فبعد عقود من التعاون العسكري الوثيق، الذي بلغ ذروته في التدخل الفرنسي عام 2013 عبر عملية سرفال لطرد الجماعات المتطرفة من شمال البلاد، انقلبت الأمور رأساً على عقب بعد الانقلابين العسكريين في باماكو عامي 2020 و2021.
قام المجلس العسكري الحاكم في مالي باتخاذ سلسلة من الإجراءات التي استهدفت الوجود الفرنسي، حيث طالب بإنهاء عملية برخان العسكرية الفرنسية، وهو ما تم بالفعل في عام 2022، كما أقدم على طرد السفير الفرنسي. وفي المقابل، عززت باماكو تحالفها الاستراتيجي مع روسيا، مستعينة بخدمات مدربين عسكريين يُعتقد على نطاق واسع أنهم عناصر من مجموعة فاغنر الروسية، الأمر الذي اعتبرته باريس خطاً أحمر وعاملاً مزعزعاً للاستقرار في منطقة الساحل بأكملها.
طبيعة المخاطر الأمنية
تستند التوصية الفرنسية إلى تقييمات استخباراتية تشير إلى تصاعد ملموس في التهديدات المحدقة بالمصالح والأفراد الفرنسيين والغربيين بشكل عام. وتصنف الخارجية الفرنسية كامل الأراضي المالية ضمن "المنطقة الحمراء"، أي أنه يُنصح رسمياً بعدم السفر إليها تحت أي ظرف. وتشمل أبرز المخاطر ما يلي:
- خطر الإرهاب: لا تزال الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية تنشط بقوة، خاصة في وسط وشمال البلاد، مع توسيع نطاق هجماتها لتشمل مناطق كانت تعتبر آمنة نسبياً.
- خطر الاختطاف: تزايدت بشكل كبير مخاطر الاختطاف التي تستهدف الأجانب، سواء للحصول على فدية مالية أو كوسيلة للضغط السياسي، مما يجعل وجودهم محفوفاً بالمخاطر.
- الجريمة المنظمة: انتشار أعمال السطو المسلح والجرائم العنيفة، حتى في الأحياء السكنية في باماكو، مما يضيف طبقة أخرى من انعدام الأمن اليومي.
ويرى مراقبون أن الفراغ الأمني الذي خلفه انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية لم تتمكن القوات المالية، حتى مع الدعم الروسي، من ملئه بشكل فعال، مما أتاح للجماعات المتطرفة إعادة تنظيم صفوفها وتوسيع نفوذها.
الأهمية والسياق الأوسع
تتجاوز أهمية هذا التحذير مجرد كونه إجراءً قنصلياً، ليعكس واقعاً جيوسياسياً جديداً في منطقة الساحل. فهو يمثل إقراراً فرنسياً بفقدان نفوذها التاريخي في مالي، ويعكس عجز باريس عن ضمان حماية مواطنيها في بلد كان يعد من أهم شركائها في المنطقة. كما يسلط الضوء على البيئة الأمنية الهشة والمتقلبة التي تعيشها مالي في ظل حكم المجلس العسكري وسياسته الجديدة القائمة على تنويع الشركاء الدوليين والابتعاد عن المحور الغربي. وتنظر الدول الغربية بقلق إلى هذا التحول، معتبرة أن الوضع في مالي قد يصبح نموذجاً يتكرر في دول مجاورة مثل بوركينا فاسو والنيجر، مما يهدد استقرار منطقة الساحل بأكملها.




