خالد يوسف يصف 'حين ميسرة' بالأقرب إلى قلبه ويؤكد استمرارية اهتمامه بقضايا المهمشين
أكد المخرج السينمائي البارز خالد يوسف، في تصريحات حديثة له صدرت يوم الخميس الموافق 10 أكتوبر 2024، أن فيلمه 'حين ميسرة' الذي عُرض عام 2007، يظل العمل الأقرب إلى قلبه في مسيرته الفنية الحافلة. وأوضح يوسف أن هذا الارتباط العميق بالفيلم ينبع من كونه تجسيدًا صادقًا ومباشرًا لقضايا الطبقات المهمشة والمستضعفين في المجتمع، وهي القضية التي شكلت محور اهتمامه وشغفه منذ طفولته المبكرة.

الخلفية الفنية للمخرج خالد يوسف
يُعد خالد يوسف أحد أبرز المخرجين المصريين الذين تركوا بصمة واضحة في المشهد السينمائي العربي. اشتُهر يوسف بجرأته في تناول القضايا الاجتماعية والسياسية الشائكة، مستخدمًا عدسته السينمائية كمنصة لعرض الواقع بكل تعقيداته وتناقضاته. تتسم أفلامه بالواقعية الشديدة والقدرة على إثارة النقاش العام، وغالبًا ما يواجه أعماله بالترحيب والنقد على حد سواء، مما يؤكد تأثيرها العميق في الوعي الجمعي.
'حين ميسرة': رؤية سينمائية لقضايا اجتماعية
يمثل فيلم 'حين ميسرة' نقطة تحول في مسيرة خالد يوسف وفي السينما المصرية عمومًا، نظرًا لجرأته في اقتحام عالم العشوائيات المنسي. تدور أحداث الفيلم حول شخصيات تعيش في بيئة فقيرة ومهمشة، وتكافح من أجل البقاء في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية. لا يكتفي الفيلم بعرض الفقر المادي، بل يتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية، مستعرضًا قضايا مثل:
- معاناة النساء والفتيات في بيئات تفتقر إلى الأمان الاقتصادي والاجتماعي.
- تفشي الجريمة والمخدرات كنتيجة لليأس والإحباط العميقين.
- تأثير التفكك الأسري وغياب الدعم المجتمعي على تنشئة الأفراد.
- الصراعات الطبقية وانعكاساتها على قدرة الأفراد على تحقيق تطلعاتهم.
لقد أثار الفيلم جدلاً واسعًا وقت عرضه، حيث استقطب اهتمامًا نقديًا وجماهيريًا كبيرًا. ورغم اتهامات البعض له بالجرأة المبالغ فيها أو التركيز على الجوانب السلبية للمجتمع، إلا أنه حظي بإشادة واسعة لقدرته على تقديم صورة واقعية ومؤثرة، بفضل الأداء القوي والمقنع لممثليه، أمثال عمرو سعد وسمية الخشاب وغادة عبد الرازق، والذين قدما أدوارًا محورية لا تُنسى. لم يقتصر نجاح الفيلم على الجوائز النقدية التي حصدها، بل حقق نجاحًا تجاريًا ملحوظًا، مما يدل على قدرته على التواصل مع الجمهور العريض رغم قسوة موضوعه.
عمق الرسالة الاجتماعية وارتباطها بمسيرة يوسف
يؤكد خالد يوسف دائمًا أن اختياره لقضايا المهمشين ليس مجرد توجه فني عابر، بل هو التزام شخصي وفكري عميق. تتجلى هذه النظرة في العديد من أفلامه الأخرى، مثل 'هي فوضى؟' الذي شارك في إخراجه مع الأسطورة يوسف شاهين، و'دكان شحاتة'، و'كف القمر'، وجميعها تدور في فلك الصراعات الاجتماعية، وتتناول قضايا العدالة، والفساد، والبحث عن الكرامة الإنسانية. هذه الاستمرارية في المعالجة الفنية تبرهن على أن 'حين ميسرة' هو حجر زاوية في فلسفته الإخراجية التي ترى في السينما أداة قوية لكشف المسكوت عنه وتحريك الضمائر نحو قضايا المجتمع الأكثر إلحاحًا.
الجانب الشخصي الذي ذكره يوسف حول بدء اهتمامه بقضايا المهمشين منذ الطفولة يضفي بعدًا إنسانيًا عميقًا على أعماله. فغالبًا ما تتشكل رؤى الفنانين ومعتقداتهم من تجاربهم الحياتية المبكرة، مما يشير إلى أن تصويره لآلام هذه الفئات نابع من إدراك وتفاعل شخصي مع واقعهم، وليس مجرد اختيار فني سطحي. هذا العمق في الارتباط بالموضوع يمنح أعماله مصداقية وتأثيرًا قويًا يجعلها تتجاوز مجرد الترفيه لتلامس جوهر التحديات الإنسانية.
التأثير والجدل: لماذا يظل الفيلم محور اهتمام؟
على الرغم من مرور سنوات عديدة تجاوزت العقد على عرض فيلم 'حين ميسرة'، إلا أنه لا يزال يحتفظ بمكانته كعمل مرجعي عند الحديث عن قضايا الفقر والتهميش في مصر. لم يقتصر تأثيره على صالات السينما، بل امتد ليُشعل نقاشات مجتمعية واسعة حول ضرورة معالجة مشكلات العشوائيات والتفاوت الاجتماعي. تكرار خالد يوسف لتأكيده على أهمية هذا الفيلم يعكس إيمانه المستمر بضرورة تسليط الضوء على هذه القضايا، لا سيما وأن تحديات التهميش والعدالة الاجتماعية لا تزال قائمة ومتطورة في العديد من المجتمعات.
إن استمرارية النقاش حول 'حين ميسرة' تبرز أهمية الفن في فتح قنوات للتفكير والتعبير عن القضايا التي قد يتجاهلها الخطاب الرسمي أو الإعلامي. وبذلك، فإن رؤية خالد يوسف لهذا الفيلم كـ 'الأقرب إلى قلبه' ليست مجرد تفضيل شخصي يعكس عاطفته، بل هي شهادة على التزامه الراسخ بقضايا الفئات الأقل حظًا في المجتمع، وإيمانه بأن السينما يمكن أن تكون صوتًا قويًا لمن لا صوت لهم، ومحفزًا للتغيير والوعي.





