خطر متزايد عالميًا: تقرير جديد لمنظمة الصحة العالمية يكشف عن ارتفاع مقاومة البكتيريا للأدوية
أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيراً جديداً يسلط الضوء على التهديد المتنامي الذي تشكله مقاومة مضادات الميكروبات، والتي تُعرف إعلامياً بـ "الجائحة الصامتة". ففي تقرير حديث استند إلى بيانات جمعها النظام العالمي لترصد مقاومة مضادات الميكروبات واستخدامها (GLASS)، كشفت المنظمة عن أرقام مقلقة تشير إلى أن قدرة الأدوية الحيوية على علاج العدوى البكتيرية الشائعة تتراجع بوتيرة متسارعة في جميع أنحاء العالم، مما يهدد بتقويض عقود من التقدم الطبي.

تفاصيل التقرير ومؤشرات الخطر
يستند التقرير إلى بيانات تم جمعها من عشرات البلدان خلال السنوات الأخيرة، ويقدم صورة شاملة عن مدى انتشار البكتيريا المقاومة. ووفقاً لتحليلات المنظمة التي غطت الفترة ما بين عامي 2018 و2023، لوحظ ارتفاع ملحوظ في معدلات المقاومة لدى أنواع متعددة من البكتيريا المسببة لأمراض خطيرة. وتشير البيانات إلى أن ما يقرب من حالة واحدة من كل ست حالات عدوى بكتيرية تم فحصها مخبرياً خلال عام 2023 أظهرت مقاومة للعلاجات المعتادة.
من أبرز النتائج التي أوردها التقرير:
- ارتفاع المقاومة في عدوى مجرى الدم: تم تسجيل مستويات مقاومة عالية، تتجاوز في بعض الحالات 50%، لدى بكتيريا مسببة لعدوى مجرى الدم المهددة للحياة، مثل بكتيريا الراكدة البومانية (Acinetobacter baumannii) والكلبسيلة الرئوية (Klebsiella pneumoniae)، خصوصاً ضد المضادات الحيوية التي تعد خط الدفاع الأخير مثل الكاربابينيمات.
- عدوى المسالك البولية: أظهرت بكتيريا الإشريكية القولونية (E. coli)، المسبب الأكثر شيوعاً لعدوى المسالك البولية، مقاومة متزايدة لمضادات حيوية أساسية مثل الفلوروكينولونات.
- معدلات زيادة سنوية: شهدت أكثر من 40% من تركيبات الأدوية والبكتيريا الخاضعة للرصد زيادة سنوية في معدلات المقاومة تتراوح بين 5% و15%، وهو ما يعكس تسارع الأزمة بشكل كبير.
الأسباب الجذرية لتفاقم الأزمة
تُرجع منظمة الصحة العالمية والخبراء في المجال الطبي تفاقم هذه الظاهرة إلى مجموعة من العوامل المتشابكة. يأتي في مقدمتها الإفراط في استخدام المضادات الحيوية وسوء وصفها في الطب البشري، حيث تُستخدم أحياناً لعلاج عدوى فيروسية لا تستجيب لها، مما يمنح البكتيريا فرصة لتطوير آليات دفاعية. كما يلعب استخدام المضادات الحيوية على نطاق واسع في قطاع الزراعة وتربية الحيوانات، ليس فقط للعلاج ولكن أيضاً لتحفيز النمو والوقاية من الأمراض، دوراً محورياً في ظهور سلالات بكتيرية مقاومة تنتقل لاحقاً إلى البشر عبر السلسلة الغذائية أو البيئة.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم ضعف أنظمة الوقاية من العدوى ومكافحتها في المستشفيات والمرافق الصحية، ونقص الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي في العديد من المناطق، في تسهيل انتشار هذه الميكروبات العنيدة بين السكان.
التداعيات والآثار المستقبلية
إن تزايد مقاومة البكتيريا للأدوية لا يهدد فقط قدرتنا على علاج الالتهابات الشائعة، بل يمثل خطراً مباشراً على مجمل الطب الحديث. فالعديد من الإجراءات الطبية المتقدمة، مثل العمليات الجراحية الكبرى، وعلاجات السرطان الكيميائية، وزراعة الأعضاء، تعتمد بشكل أساسي على فعالية المضادات الحيوية لمنع العدوى التي قد تكون مميتة للمرضى ذوي المناعة الضعيفة. ومع فقدان هذه الأدوية لفاعليتها، قد تصبح هذه الإجراءات محفوفة بالمخاطر أو مستحيلة التنفيذ.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تؤدي العدوى المقاومة للأدوية إلى زيادة تكاليف الرعاية الصحية بسبب الحاجة إلى علاجات أكثر تكلفة، وفترات إقامة أطول في المستشفيات، بالإضافة إلى الخسائر في الإنتاجية نتيجة للعجز والوفيات المبكرة. وقد حذرت المنظمة من أن التقاعس عن مواجهة هذا التحدي قد يعيد البشرية إلى حقبة ما قبل المضادات الحيوية، حيث كانت التهابات بسيطة كفيلة بالتسبب في الوفاة.
دعوة عالمية للتحرك الفوري
في ضوء هذه النتائج، جددت منظمة الصحة العالمية دعوتها للحكومات والقطاع الصحي والمجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات حاسمة ومنسقة. وتشمل التوصيات تعزيز أنظمة الرصد الوطنية لتتبع انتشار المقاومة، وتطبيق سياسات صارمة لترشيد استهلاك المضادات الحيوية في القطاعين البشري والحيواني. كما شددت المنظمة على ضرورة الاستثمار في البحث والتطوير لابتكار مضادات حيوية جديدة، وأدوات تشخيص سريعة، ولقاحات فعالة، مع تحسين ممارسات النظافة ومكافحة العدوى في جميع أنحاء العالم كخط دفاع أول وأساسي.




