منظمة الصحة العالمية تحذر من تفاقم أزمة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

جددت منظمة الصحة العالمية تحذيراتها بشأن الخطر المتزايد الذي تشكله مقاومة مضادات الميكروبات، وهي الظاهرة التي تُعرف بانتشار "البكتيريا الخارقة" التي لا تستجيب للعلاجات التقليدية. وفي بيانات وتقارير صدرت خلال الأشهر الأخيرة، أكدت المنظمة أن هذا التهديد الصامت لم يعد مجرد توقع مستقبلي، بل أصبح أزمة صحية عالمية قائمة بالفعل، تقوّض أسس الطب الحديث وتهدد حياة الملايين حول العالم.

فهم مقاومة مضادات الميكروبات

تحدث مقاومة مضادات الميكروبات (AMR) عندما تتطور الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا والفطريات والفيروسات والطفيليات بمرور الوقت وتكتسب القدرة على مقاومة الأدوية التي كانت تستخدم في السابق لعلاجها. نتيجة لذلك، تصبح المضادات الحيوية والأدوية الأخرى غير فعالة، مما يجعل علاج العدوى الشائعة أمراً صعباً أو مستحيلاً. وهذا يؤدي إلى زيادة خطر انتشار الأمراض، وتفاقم الحالات المرضية، وارتفاع معدلات الوفيات. وتؤكد المنظمة أن هذه الظاهرة لا تقتصر على بكتيريا معينة، بل تشمل مجموعة واسعة من مسببات الأمراض التي تهدد البشر والحيوانات على حد سواء.

الأسباب الرئيسية وراء تفاقم الأزمة

يعود تفاقم هذه الأزمة العالمية إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، والتي سرّعت من وتيرة تطور وانتشار الميكروبات المقاومة. تلعب الممارسات البشرية الدور الأكبر في هذه المشكلة، ومن أبرزها:

الإفراط في استخدام وسوء وصف المضادات الحيوية: يعد الاستخدام غير الضروري للمضادات الحيوية في الطب البشري، مثل وصفها لعلاج عدوى فيروسية كالزكام، من أكبر المسببات. كما أن عدم إكمال المرضى لجرعاتهم الموصوفة يمنح البكتيريا فرصة للتكيف والبقاء.
الاستخدام في الزراعة وتربية الحيوانات: يُستخدم جزء كبير من المضادات الحيوية في العالم في قطاع الزراعة، ليس فقط لعلاج الحيوانات المريضة ولكن أيضاً كعامل لتعزيز النمو والوقاية من الأمراض في المزارع المكتظة، مما يخلق بيئة مثالية لنشوء سلالات بكتيرية مقاومة يمكن أن تنتقل إلى البشر.
ضعف أنظمة الصرف الصحي والنظافة: يساهم نقص المياه النظيفة والصرف الصحي في المستشفيات والمجتمعات في سهولة انتشار العدوى والميكروبات المقاومة بين الناس.
بطء وتيرة تطوير أدوية جديدة: يواجه العالم نقصاً في الاستثمار والبحث والتطوير لإنتاج فئات جديدة من المضادات الحيوية، مما يجعل الخيارات العلاجية محدودة للغاية أمام الأطباء عند مواجهة عدوى مقاومة.

حجم التهديد العالمي وتداعياته

تشير التقديرات الحديثة إلى أن مقاومة مضادات الميكروبات أصبحت أحد الأسباب الرئيسية للوفاة على مستوى العالم. ففي عام 2019، قدرت دراسة نُشرت في مجلة "ذا لانسيت" المرموقة أن العدوى البكتيرية المقاومة للأدوية تسببت بشكل مباشر في وفاة ما يقرب من 1.3 مليون شخص، وكانت مرتبطة بوفاة حوالي 5 ملايين شخص آخرين. وتتوقع منظمة الصحة العالمية أنه بحلول عام 2050، قد تصل الوفيات السنوية الناجمة عن هذه الظاهرة إلى 10 ملايين وفاة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة، وهو ما يتجاوز عدد الوفيات الناجمة عن السرطان حالياً.

ولا يقتصر التأثير على الخسائر في الأرواح، بل يمتد ليشكل تهديداً خطيراً على الأنظمة الصحية والاقتصاد العالمي. إنها تقوض الإنجازات الطبية الكبرى؛ فالعمليات الجراحية المعقدة، وعلاجات السرطان الكيميائية، وزراعة الأعضاء، ورعاية الأطفال الخدج، كلها إجراءات تعتمد بشكل أساسي على فعالية المضادات الحيوية لمنع العدوى. وبدونها، ستصبح هذه التدخلات الطبية المنقذة للحياة محفوفة بمخاطر هائلة.

الاستجابة الدولية ودعوة إلى العمل

لمواجهة هذا الخطر، تواصل منظمة الصحة العالمية حث الدول الأعضاء على تبني خطط عمل وطنية شاملة، مستندة إلى نهج "الصحة الواحدة" (One Health)، الذي يربط بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة. وتشمل التوصيات الرئيسية تعزيز الرقابة على استخدام المضادات الحيوية، وتحسين ممارسات الوقاية من العدوى ومكافحتها في المرافق الصحية، وزيادة الاستثمار في تطوير علاجات ولقاحات وأدوات تشخيصية جديدة.

كما تشدد المنظمة على أهمية الوعي العام، داعية الأفراد إلى تحمل مسؤولياتهم من خلال عدم استخدام المضادات الحيوية إلا بوصفة طبية، والالتزام بإرشادات الأطباء بدقة. إن المعركة ضد البكتيريا المقاومة هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود على جميع المستويات، من الأفراد إلى الحكومات والمؤسسات الدولية، للحفاظ على فعالية الأدوية التي تشكل حجر الزاوية في الطب الحديث.