تزايد مقاومة المضادات الحيوية: منظمة الصحة العالمية تحذر من أزمة صحية عالمية

أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرات متجددة وصفتها بالخطيرة، مؤكدة أن مقاومة مضادات الميكروبات (AMR) لم تعد تهديدًا مستقبليًا، بل أصبحت أزمة صحية عالمية قائمة بالفعل. ففي تقارير صدرت خلال الأشهر الأخيرة، شددت المنظمة على أن التقدم الذي أحرزته البشرية في الطب الحديث بات على المحك بسبب تزايد أعداد البكتيريا والفيروسات والكائنات الدقيقة الأخرى التي تطور قدرة على مقاومة الأدوية المصممة للقضاء عليها، مما يفتح الباب أمام ما يسمى بـ "عصر ما بعد المضادات الحيوية".

خلفية المشكلة: فهم مقاومة مضادات الميكروبات

تحدث مقاومة مضادات الميكروبات، والتي تُعرف اختصارًا بـ (AMR)، عندما تتغير الكائنات المسببة للأمراض مثل البكتيريا والفطريات والفيروسات بمرور الوقت وتتوقف عن الاستجابة للأدوية. هذه الظاهرة تجعل علاج العدوى الشائعة أكثر صعوبة، وتزيد من خطورة انتشار الأمراض، وتؤدي إلى حالات مرضية أشد وطأة وارتفاع في معدلات الوفيات. ورغم أن هذه العملية طبيعية من الناحية التطورية، إلا أن الأنشطة البشرية، وعلى رأسها سوء استخدام المضادات الحيوية والإفراط في وصفها، قد أدت إلى تسريع وتيرتها بشكل غير مسبوق.

أحدث البيانات والتحذيرات

استنادًا إلى بيانات حديثة، بما في ذلك تقارير نظام المراقبة العالمي لمقاومة مضادات الميكروبات واستخدامها (GLASS)، كشفت المنظمة عن أرقام مقلقة. فقد أظهرت التحليلات الصادرة في أواخر عام 2023 أن مستويات المقاومة لدى بعض أنواع البكتيريا المسببة لعدوى الدم الخطيرة في المستشفيات، مثل بكتيريا الراكدة البومانية (Acinetobacter baumannii) والكلبسيلة الرئوية (Klebsiella pneumoniae)، تتجاوز في كثير من الأحيان نسبة 50%. هذا يعني أن أكثر من نصف العلاجات المتاحة قد تفشل في مساعدة المرضى المصابين. وتشير التقديرات إلى أن العدوى البكتيرية المقاومة للأدوية تسببت بشكل مباشر في وفاة ما لا يقل عن 1.27 مليون شخص في عام 2019، وكانت عاملاً مساهمًا في وفاة ما يقرب من 5 ملايين شخص آخرين في نفس العام.

الأسباب الجذرية لتفاقم الأزمة

تُعزى هذه الأزمة المتنامية إلى مجموعة معقدة من العوامل المترابطة التي تتطلب نهجًا شموليًا لمواجهتها. من أبرز هذه الأسباب:

الاستخدام المفرط وغير الملائم للمضادات الحيوية: يعد الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية في الطب البشري، كوصفها لعلاج عدوى فيروسية مثل نزلات البرد، من أكبر المسببات لتطور سلالات مقاومة.
قطاع الزراعة والثروة الحيوانية: يُستخدم جزء كبير من المضادات الحيوية عالميًا في تربية الحيوانات، ليس فقط للعلاج ولكن أيضًا كإجراء وقائي أو لتحفيز النمو، مما يخلق بيئة خصبة لظهور وانتشار البكتيريا المقاومة.
ضعف أنظمة الصرف الصحي والنظافة: يؤدي نقص الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي الملائم إلى زيادة انتشار العدوى بشكل عام، وبالتالي زيادة الحاجة إلى استخدام المضادات الحيوية.
فجوة في البحث والتطوير: تباطأ بشكل ملحوظ تطوير فئات جديدة من المضادات الحيوية على مدى العقود الماضية بسبب التحديات العلمية وغياب الحوافز الاقتصادية لشركات الأدوية.

التأثيرات المحتملة على الصحة العالمية والاقتصاد

إن تداعيات مقاومة مضادات الميكروبات تتجاوز فشل علاج العدوى البسيطة. فهي تهدد بتقويض أسس الطب الحديث بأكمله، حيث تعتمد العديد من الإجراءات الطبية المتقدمة على فعالية المضادات الحيوية للوقاية من العدوى. ومن بين هذه الإجراءات:

العمليات الجراحية الكبرى مثل جراحات القلب المفتوح واستبدال المفاصل.
العلاج الكيميائي لمرضى السرطان.
عمليات زراعة الأعضاء.
رعاية الأطفال الخدج.

على الصعيد الاقتصادي، حذّر البنك الدولي من أن مقاومة مضادات الميكروبات قد تدفع ما يصل إلى 24 مليون شخص إلى الفقر المدقع بحلول عام 2030، وقد تؤدي إلى انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي العالمي ما لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية. فالمرضى الذين يعانون من عدوى مقاومة يحتاجون إلى فترات علاج أطول في المستشفيات، ورعاية أكثر تكلفة، مما يضع عبئًا هائلاً على الأنظمة الصحية والأسر على حد سواء.

توصيات منظمة الصحة العالمية والحلول المقترحة

لمواجهة هذا التحدي، تدعو منظمة الصحة العالمية إلى استجابة عالمية منسقة تحت مظلة نهج "الصحة الواحدة"، الذي يربط بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة. وتتضمن استراتيجيتها العالمية مجموعة من الإجراءات الحاسمة، منها تحسين الوعي العام حول خطورة المشكلة، وتعزيز برامج ترصد ومراقبة استخدام المضادات الحيوية، وتطبيق ممارسات صارمة للوقاية من العدوى ومكافحتها في المرافق الصحية. كما تشدد المنظمة على ضرورة تحفيز الاستثمار في البحث والتطوير لإيجاد مضادات حيوية جديدة، وتطوير أدوات تشخيص سريعة، وإنتاج لقاحات فعالة للحد من الحاجة إلى استخدام الأدوية الحالية.