دار الإفتاء المصرية تؤكد مكانة السيد أحمد البدوي ضمن كبار الأولياء ردًا على المشككين
أصدرت دار الإفتاء المصرية، في بيانات وتوضيحات متعددة، ردًا مفصلًا وحاسمًا على الادعاءات والتشكيكات التي تثار بين الحين والآخر حول المكانة الدينية للسيد أحمد البدوي، أحد أبرز الأعلام الصوفية في التاريخ الإسلامي. وجاء رد المؤسسة الدينية الرسمية ليؤكد على أن السيد البدوي يُعد من كبار أولياء الله الصالحين، وأن الطعن في ولايته هو طعن في إجماع الأمة وعلمائها على مر العصور.

خلفية عن الشخصية ومكانتها
يُعد السيد أحمد البدوي، الذي عاش في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، شخصية محورية في التراث الديني والشعبي في مصر. وُلد في مدينة فاس بالمغرب، وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين بن علي، وهو ما يمنحه مكانة خاصة. بعد رحلة طويلة، استقر في مدينة طنطا المصرية، حيث أسس طريقته الصوفية التي تُعرف بالأحمدية أو البدوية، وأصبح مسجده وضريحه هناك مقصدًا لملايين الزوار سنويًا، خاصة خلال الاحتفال بمولده الذي يُعتبر من أكبر الموالد في مصر.
مثار الجدل: ولي أم مجذوب؟
تتمحور الشبهات التي يطرحها البعض حول وصف السيد البدوي بأنه كان "مجذوبًا" وليس "وليًا". في الاصطلاح الصوفي، الولي هو العارف بالله المتبع للشرع بشكل كامل، بينما المجذوب هو من غلبه حال الجذب الإلهي لدرجة قد تجعله غير مكلف ببعض الأحكام الشرعية الظاهرة. يستغل المشككون هذا التفريق للادعاء بأن البدوي لم يكن على دراية كاملة بالشرع أو لم يكن ملتزمًا به، مما يفقده مكانته كقدوة وولي صالح يُقتدى به. هذه الادعاءات غالبًا ما تأتي من تيارات ترفض الفكر الصوفي وتعتبر تقديس الأولياء نوعًا من الممارسات غير المشروعة.
حجج دار الإفتاء ودفاعها عن مكانة البدوي
في ردها، فندت دار الإفتاء المصرية هذه الادعاءات بشكل منهجي، مستندةً إلى مجموعة من الأدلة الشرعية والتاريخية. وأوضحت أن ولاية السيد أحمد البدوي ثابتة بإجماع العلماء والمؤرخين الذين عاصروه ومن جاء بعدهم، وأنه لا يجوز الالتفات إلى أقوال المشككين في هذا العصر. ويمكن تلخيص أبرز نقاط الرد في الآتي:
- شهادات كبار العلماء: استشهدت الدار بأقوال أئمة كبار أثنوا على علم وولاية البدوي، مثل الإمام ابن حجر العسقلاني، والإمام عبد الوهاب الشعراني، وغيرهم ممن أفردوا كتبًا ومؤلفات لذكر مناقبه وكراماته، وأجمعوا على أنه كان من أكابر العارفين بالله الملتزمين بالكتاب والسنة.
- الالتزام بالشرع: أكدت دار الإفتاء أن جميع المصادر الموثوقة تصف السيد البدوي بأنه كان عالمًا وفقيهًا شافعي المذهب، ولم يُنقل عنه أبدًا أنه ترك فريضة أو خالف حكمًا شرعيًا. وعليه، فإن وصفه بالمجذوب الذي تسقط عنه التكاليف هو ادعاء باطل لا أساس له من الصحة.
- إجماع الأمة: شددت الفتوى على أن محبة الناس وإجماع الأمة على ولاية شخص ما على مر القرون هو علامة من علامات قبول الله له، وأن الطعن فيه هو محاولة لضرب رموز الأمة وتراثها الروحي.
- التحذير من الخوض في أعراض الأولياء: نبهت دار الإفتاء إلى خطورة الخوض في سيرة الأولياء والصالحين بالسوء، مستشهدة بالحديث القدسي: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ"، داعيةً المسلمين إلى التثبت وتجنب ترديد الشبهات التي تفرق الصف وتشكك في ثوابت الأمة.
الأهمية الدينية والثقافية للموقف
تكتسب هذه القضية أهمية خاصة كونها لا تتعلق بشخص السيد البدوي فقط، بل تمثل دفاعًا عن منهج كامل في فهم الدين والتاريخ الإسلامي. فموقف دار الإفتاء يعزز من مكانة التصوف كأحد المكونات الرئيسية للتراث الإسلامي، ويواجه الخطابات التي تسعى إلى تقديم تفسير أحادي وحرفي للدين. كما أنه يهدف إلى حماية التراث الثقافي والديني المصري، الذي يشكل الأولياء والموالد جزءًا لا يتجزأ منه، ويحافظ على الذاكرة الجمعية للمصريين وارتباطهم برموزهم التاريخية والروحية.





