دعوات للحوار تتصاعد في السودان بعد معارك الفاشر وأزمة إنسانية متفاقمة
تجددت الدعوات الإقليمية والدولية بشكل مكثف خلال الأسابيع الأخيرة لوقف القتال في السودان والعودة إلى طاولة المفاوضات، وذلك في أعقاب التطورات الميدانية الكبرى في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور. يأتي هذا الحراك الدبلوماسي في وقت تواجه فيه البلاد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع تحذيرات أممية من مجاعة وشيكة وانهيار شبه كامل للخدمات الأساسية.

التطورات الميدانية في الفاشر وأهميتها الاستراتيجية
شكلت مدينة الفاشر، التي كانت آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور الشاسع، محوراً للصراع العنيف لأشهر عدة. كانت المدينة ملاذاً لمئات الآلاف من النازحين الفارين من مناطق أخرى في الإقليم. إلا أن سيطرة قوات الدعم السريع عليها مؤخراً بعد حصار طويل ومعارك ضارية، مثلت نقطة تحول استراتيجية في مسار الحرب المندلعة منذ أبريل 2023. لم تكن الفاشر مجرد مركز إداري، بل كانت أيضاً مركزاً حيوياً لعمليات الإغاثة الإنسانية في الإقليم، وسقوطها أدى إلى تفاقم الوضع الكارثي للمدنيين، حيث أُجبر عشرات الآلاف على النزوح مجدداً وسط تقارير عن انتهاكات واسعة النطاق.
أزمة إنسانية على حافة الهاوية
أدت الحرب المستمرة لأكثر من عام إلى انهيار الاقتصاد وتدمير البنية التحتية، ما دفع بالسودان إلى حافة كارثة إنسانية شاملة. وتوضح الأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية حجم المأساة:
- يعاني ما يقرب من 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع وجود حوالي 5 ملايين شخص على شفا المجاعة.
 - تجاوز عدد النازحين داخلياً واللاجئين إلى دول الجوار 10 ملايين شخص، ما يجعلها أكبر أزمة نزوح في العالم.
 - انهار النظام الصحي، حيث توقفت أكثر من 70% من المرافق الطبية عن العمل في مناطق النزاع.
 - يواجه عمال الإغاثة صعوبات جمة في الوصول إلى المتضررين بسبب انعدام الأمن والقيود المفروضة من قبل طرفي النزاع.
 
وقد حذر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، مراراً من أن الوقت ينفد لتجنب مجاعة واسعة النطاق، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات دون عوائق.
الحراك الدبلوماسي ودعوات الحوار
في ظل هذا الواقع المأساوي، تصاعدت الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إحياء المسار السياسي. تقود الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إلى جانب لاعبين إقليميين ودوليين مثل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة عبر "منبر جدة"، محاولات لإقناع الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، بالعودة إلى المفاوضات. تركز هذه الدعوات على ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار لأسباب إنسانية كخطوة أولى، يليه حوار سياسي شامل يمهد الطريق لتشكيل حكومة مدنية انتقالية. ومع ذلك، لا تزال المواقف متباعدة، حيث يضع كل طرف شروطاً يراها الطرف الآخر تعجيزية، مما يعمق انعدام الثقة ويعرقل أي تقدم ملموس نحو السلام.
لماذا يعتبر هذا التطور مفصلياً؟
تأتي هذه التطورات في لحظة حرجة من تاريخ السودان. فسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر تمنحها نفوذاً شبه كامل على إقليم دارفور، مما يغير موازين القوى على الأرض بشكل كبير ويثير مخاوف من تقسيم فعلي للبلاد. كما أن الكارثة الإنسانية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وباتت تهدد حياة الملايين بشكل مباشر. إن فشل الجهود الدبلوماسية الحالية لا يعني فقط استمرار الحرب، بل قد يدفع بالسودان نحو سيناريو الدولة الفاشلة بالكامل، مع تداعيات أمنية وإنسانية خطيرة على منطقة القرن الأفريقي والساحل بأكملها.




