دعوة لإنشاء صندوق استثماري لدعم بنية الذكاء الاصطناعي في دول الجنوب
في خطوة تعكس الاهتمام المتزايد بتوزيع فوائد التقدم التكنولوجي عالميًا، أطلقت الدكتورة هدى بركة، مستشار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مؤخرًا دعوة مهمة لتأسيس صندوق مخصص لدعم البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في مناطق الجنوب العالمي. يهدف هذا المقترح إلى سد الفجوة التكنولوجية المتزايدة بين الدول المتقدمة والنامية في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو قطاع يُتوقع أن يشكل حجر الزاوية في النمو الاقتصادي والاجتماعي المستقبلي.

وفقًا للمقترح، من المفترض أن يُموّل هذا الصندوق الطموح من قبل دول مجموعة العشرين (G20) بالإضافة إلى مجموعة من المؤسسات التنموية الدولية. ويركز الهدف الأساسي للصندوق على تمكين دول الجنوب العالمي من إنشاء مراكز بيانات سيادية خاصة بها، وتطوير قدرات حوسبية منخفضة الكربون، مما يضمن ليس فقط الوصول إلى التقنيات المتقدمة ولكن أيضًا الاستدامة البيئية والسيادة الرقمية.
الخلفية والأهمية
تكتسب هذه الدعوة أهمية خاصة في سياق التحولات الرقمية السريعة التي يشهدها العالم. يُعد الذكاء الاصطناعي محركًا رئيسيًا للابتكار في قطاعات متعددة مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والزراعة، والتصنيع، وحتى في مواجهة تحديات التغير المناخي. ومع ذلك، فإن القدرة على تطوير ونشر حلول الذكاء الاصطناعي تعتمد بشكل كبير على توفر بنية تحتية رقمية قوية، بما في ذلك مراكز البيانات، وشبكات الاتصال عالية السرعة، وقدرات الحوسبة الفائقة. تواجه دول الجنوب العالمي تحديات كبيرة في هذا الصدد، غالبًا بسبب محدودية الموارد المالية والخبرات التقنية اللازمة للاستثمار في هذه البنى التحتية باهظة التكلفة.
تفتقر العديد من هذه الدول إلى القدرة على معالجة وتخزين البيانات الضخمة محليًا، مما يدفعها للاعتماد على خدمات خارجية، الأمر الذي يثير مخاوف بشأن سيادة البيانات والأمن القومي. كما أن النمو المتسارع لمتطلبات الطاقة للحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي يفرض ضغطًا متزايدًا على البنية التحتية للطاقة، مما يجعل حلول الحوسبة منخفضة الكربون ضرورة ملحة لتحقيق التنمية المستدامة.
تأتي مبادرة إنشاء صندوق استثماري مشترك كحل استراتيجي لمعالجة هذه التحديات. فهي تهدف إلى:
- سد الفجوة الرقمية: تمكين دول الجنوب من اللحاق بركب التطور التكنولوجي والاستفادة من الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي.
- تعزيز السيادة الرقمية: بناء مراكز بيانات محلية تمنح الدول القدرة على التحكم في بياناتها الخاصة وتأمينها.
- دعم الاستدامة البيئية: الاستثمار في حلول حوسبة صديقة للبيئة تقلل من البصمة الكربونية لقطاع تكنولوجيا المعلومات.
- تحفيز الابتكار المحلي: توفير البنية التحتية اللازمة للباحثين والشركات الناشئة في دول الجنوب لتطوير حلول ذكاء اصطناعي مبتكرة تلبي احتياجات مجتمعاتهم.
تفاصيل المقترح
يدعو المقترح بشكل خاص إلى مشاركة فعالة من دول مجموعة العشرين، التي تمثل الاقتصادات الكبرى في العالم، والمؤسسات التنموية التي تملك الخبرة والموارد اللازمة لدعم المشاريع الكبرى في الدول النامية. سيكون دور هذه الجهات حاسمًا في توفير التمويل اللازم، وتبادل المعرفة، والمساعدة في بناء القدرات التقنية والإدارية.
سيتركز الصندوق على تمويل مشاريع محددة وملموسة، أهمها:
- إنشاء مراكز بيانات سيادية: هذه المراكز لن تكون مجرد منشآت لتخزين البيانات، بل ستكون مجهزة بأحدث التقنيات لضمان معالجة البيانات بكفاءة وأمان، مع التركيز على حماية خصوصية المستخدمين والالتزام باللوائح المحلية والدولية.
- تطوير قدرات الحوسبة منخفضة الكربون: سيتم دمج التقنيات الخضراء ومصادر الطاقة المتجددة في تصميم وتشغيل هذه المراكز، مثل استخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، وأنظمة التبريد الفعالة لتقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون. هذا الجانب يعكس التزامًا عالميًا أوسع بالاستدامة البيئية في مواجهة التغيرات المناخية.
- توفير بنية تحتية للحوسبة عالية الأداء (HPC): وهي ضرورية للتدريب المعقد لنماذج الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته التي تتطلب قوة معالجة هائلة.
- برامج بناء القدرات: دعم تدريب المهندسين والباحثين والمطورين المحليين في مجالات الذكاء الاصطناعي وإدارة البنية التحتية الرقمية، لضمان استمرارية المشاريع واستدامتها على المدى الطويل.
التأثير المتوقع وآفاق المستقبل
يتوقع أن يكون لهذا الصندوق، في حال تأسيسه، تأثير تحويلي على دول الجنوب العالمي. فبجانب تمكينها تقنيًا، يمكن أن يصبح حافزًا للنمو الاقتصادي المستدام وخلق فرص عمل جديدة في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة. ستتمكن هذه الدول من تطوير حلول ذكاء اصطناعي مخصصة لمواجهة تحدياتها المحلية، من تحسين الخدمات الصحية والتعليمية إلى تعزيز الأمن الغذائي وإدارة الموارد الطبيعية بكفاءة أكبر.
كما أن الاستثمار في بنية تحتية قوية للذكاء الاصطناعي سيعزز من مكانة دول الجنوب في الحوار العالمي حول حوكمة الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته، مما يضمن أن تكون وجهات نظرها واحتياجاتها ممثلة في صياغة المعايير والسياسات العالمية. ومع ذلك، فإن نجاح هذا المقترح يعتمد على الإرادة السياسية القوية من قبل مجموعة العشرين والمؤسسات التنموية، وتصميم آليات تمويل شفافة وفعالة، بالإضافة إلى تعاون وثيق بين الدول المستفيدة لضمان أقصى قدر من التأثير والاستدامة.
تعد هذه الدعوة خطوة جوهرية نحو بناء عالم رقمي أكثر عدلاً وشمولاً، حيث لا تقتصر فوائد الثورة الصناعية الرابعة على حفنة من الدول المتقدمة، بل تمتد لتشمل الجميع، مما يمهد الطريق لابتكار عالمي ومستقبل أفضل للجميع.




