أبل تستعين بنموذج ذكاء اصطناعي من غوغل لتعزيز قدرات سيري
في خطوة من شأنها أن تحدث تحولاً جذرياً في تجربة المستخدم، أفادت تقارير إعلامية مرموقة، أبرزها وكالة بلومبرغ، خلال أواخر مارس وبدايات أبريل 2024، بأن شركة أبل تجري محادثات متقدمة مع غوغل للاستفادة من نموذج ذكائها الاصطناعي التوليدي القوي، Gemini، لدمجه في مساعدها الصوتي الشهير سيري. يهدف هذا التعاون المحتمل إلى تعزيز قدرات سيري بشكل كبير، مما يضعها في مصاف المساعدات الصوتية الأكثر تطوراً في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي.

الخلفية والسياق: سيري في مواجهة عصر الذكاء الاصطناعي
يأتي هذا التطور في وقت تواجه فيه سيري، التي أطلقتها أبل في عام 2011، انتقادات متزايدة بسبب محدودية قدراتها في فهم السياق وتقديم استجابات إبداعية مقارنة بالمساعدات المنافسة التي تعتمد على نماذج اللغة الكبيرة (LLMs). بينما كانت سيري رائدة في مجال المساعدات الصوتية، وأبدت تميزاً في المهام الأساسية على الجهاز بفضل تركيز أبل على الخصوصية ومعالجة البيانات محلياً، إلا أنها لم تواكب التطور السريع للذكاء الاصطناعي التوليدي الذي سمح لمساعدات مثل مساعد غوغل وأمازون أليكسا بتقديم تجارب أكثر ثراءً وتفاعلية. تسعى أبل من خلال هذا التحالف إلى سد هذه الفجوة وتقديم تجربة استخدام تتناسب مع تطلعات مستخدميها في عصر الذكاء الاصطناعي.
تتصاعد حدة المنافسة في قطاع الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، حيث تتسابق الشركات التقنية العملاقة لدمج قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها وخدماتها. لطالما التزمت أبل بنهج حذر ومدروس في تبني التقنيات الجديدة، مع التركيز على دمج الذكاء الاصطناعي على الجهاز لضمان أقصى درجات الخصوصية والأداء. ومع ذلك، تتطلب المهام الأكثر تعقيدًا وإبداعًا، مثل تلخيص النصوص الطويلة، أو إنشاء المحتوى، أو الإجابة على استفسارات معرفية معمقة، قوة حاسوبية ونماذج بيانات تتجاوز ما يمكن معالجته بكفاءة على الأجهزة الفردية. هنا يبرز دور النماذج السحابية الضخمة.
التطورات الأخيرة والشراكة المحتملة
تشير التقارير إلى أن أبل استكشفت خيارات متعددة، بما في ذلك محادثات مع OpenAI (الشركة المطورة لـ ChatGPT)، ولكن المحادثات مع غوغل بدت الأكثر جدية وتقدمًا. يُعتقد أن الاتفاقية المحتملة ستشمل ترخيص أبل لنموذج Gemini من غوغل، والذي يُعرف بقدراته الفائقة في فهم اللغة وتوليدها. هذا النموذج، الذي قد يضم عددًا هائلاً من المعاملات (كما أشارت بعض التقارير إلى احتمال وصوله إلى 1.2 تريليون معامل)، سيمكن سيري من تقديم استجابات أكثر دقة، وفهمًا أعمق للسياق، وقدرات إبداعية لم تكن متاحة من قبل. يتوقع أن تتبع أبل نهجًا هجينًا، حيث ستستمر في معالجة المهام البسيطة والحساسة للخصوصية على الجهاز، بينما ستوجه الاستفسارات الأكثر تعقيدًا إلى نموذج Gemini السحابي.
لماذا يهم هذا: التأثيرات والآثار المترتبة
يحمل هذا التعاون المحتمل أهمية قصوى لعدة أطراف. بالنسبة لأبل، يمثل هذا قفزة نوعية في قدرات سيري، مما يعزز تجربة المستخدم على أجهزتها ويضمن بقاءها في صدارة الابتكار التقني. سيتيح هذا لسيري التفاعل بشكل طبيعي أكثر مع المستخدمين، وفهم النوايا الخفية، وحتى تعلم التفضيلات الشخصية بمرور الوقت، مما يحولها من مجرد مساعد بسيط إلى شريك رقمي ذكي ومتكامل. أما بالنسبة لغوغل، فإن ترخيص Gemini لأبل سيعني توسعًا هائلاً في نطاق انتشار تقنياتها للذكاء الاصطناعي، مما يعزز مكانتها كقوة رائدة في هذا المجال ويجلب إيرادات إضافية. ومع ذلك، سيتعين على أبل التعامل بعناية فائقة مع تحديات الخصوصية، التي طالما كانت حجر الزاوية في فلسفتها، خاصة عند إرسال بيانات المستخدمين إلى خوادم خارجية للمعالجة. من المتوقع أن تضع أبل آليات صارمة لضمان حماية بيانات المستخدم وإخفاء هويتها، بما يتماشى مع سياساتها الصارمة.
تطلعات مستقبلية
تتجه الأنظار نحو مؤتمر المطورين العالمي WWDC 2024 المقرر عقده في يونيو، حيث يتوقع الكثيرون أن تكشف أبل رسميًا عن استراتيجيتها للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التفاصيل المتعلقة بتحديثات سيري. هذا التحديث المرتقب لا يمثل مجرد ترقية وظيفية، بل يعكس رؤية أبل لمستقبل الأجهزة الذكية وكيف سيتفاعل المستخدمون معها في عصر الذكاء الاصطناعي المتقدم. سيكون التحدي الأكبر لأبل هو دمج هذه القدرات الجديدة بسلاسة وفعالية مع الحفاظ على سمعتها في مجال الخصوصية والأمان، وتقديم تجربة مستخدم لا تضاهى، مما يعزز مكانة سيري كمساعد رقمي رائد في السوق التنافسي.





