أبل تدرس دمج نموذج "جيميناي" من جوجل لتعزيز قدرات "سيري"
أفادت تقارير إخبارية واسعة الانتشار، ظهرت في أوائل مارس 2024، أن شركة أبل تجري محادثات نشطة مع شركة جوجل بهدف ترخيص نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي "جيميناي" (Gemini) الخاص بالأخيرة. تهدف هذه الخطوة الاستراتيجية إلى تعزيز قدرات مساعدها الصوتي "سيري" (Siri) ودمج ميزات ذكاء اصطناعي متقدمة في نظام التشغيل iOS، خاصة مع اقتراب مؤتمر المطورين العالمي (WWDC) السنوي لأبل، والذي يُتوقع أن يشهد الكشف عن تحديثات رئيسية متعلقة بالذكاء الاصطناعي.

تأتي هذه التطورات في ظل سعي أبل للحاق بالركب المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث واجهت "سيري" انتقادات متزايدة لافتقارها إلى الميزات المتقدمة والقدرة على الفهم السياقي التي أصبحت سمة مميزة للمنافسين مثل ChatGPT ومساعد جوجل. إن الاعتماد على شريك خارجي بحجم جوجل ونموذجها "جيميناي"، الذي يُعد من أقوى نماذج اللغة الكبيرة في العالم، يمثل تحولاً مهماً في استراتيجية أبل، المعروفة تاريخياً باعتمادها على التطوير الداخلي والمحافظة على نظامها البيئي المغلق.
خلفية وتطورات سابقة
لطالما كانت "سيري"، التي تم إطلاقها في عام 2011، رائدة في مجال المساعدات الصوتية الرقمية، ولكنها لم تواكب التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة. في الوقت الذي بدأت فيه الشركات المنافسة مثل جوجل وسامسونج (التي تستخدم "جيميناي" في سلسلة هواتفها Galaxy S24) ومايكروسوفت بدمج قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها، ظلت "سيري" تعتمد على نماذج أقل تعقيدًا وتفتقر إلى القدرة على معالجة المهام الأكثر تعقيدًا أو إجراء محادثات طبيعية متعددة الأدوار.
على الرغم من امتلاك أبل لقدرات قوية في مجال الذكاء الاصطناعي على الجهاز (On-device AI) من خلال محركها العصبي (Neural Engine) ورقائقها المخصصة، فإن المهام التي تتطلب فهمًا لغويًا عميقًا وتوليد استجابات معقدة تتطلب عادةً قوة حاسوبية هائلة تُقدمها النماذج الكبيرة القائمة على السحابة. لذا، تبحث أبل عن حلول لدمج هذه القدرات دون التضحية بمبادئها الأساسية في الخصوصية والأمان.
لم تقتصر محادثات أبل على جوجل فحسب، بل أشارت تقارير أخرى إلى أنها أجرت أيضاً محادثات مع شركات أخرى رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي مثل OpenAI، مطورة ChatGPT. هذا يشير إلى أن أبل تستكشف خيارات متعددة لضمان أفضل تكامل لتقنيات الذكاء الاصطناعي في أجهزتها.
أهمية هذه الخطوة ودوافعها
تُعد هذه الخطوة بالغة الأهمية لأبل لعدة أسباب:
- اللحاق بالركب التكنولوجي: تواجه أبل ضغوطاً متزايدة لتقديم ميزات ذكاء اصطناعي تنافسية لعملائها، خاصة مع تزايد شعبية الذكاء الاصطناعي التوليدي وتوقعات المستخدمين المتزايدة.
- تعزيز تجربة المستخدم: من المتوقع أن يؤدي دمج "جيميناي" إلى تحسينات جذرية في "سيري"، مما يجعلها أكثر ذكاءً، وقدرة على فهم السياق، وتنفيذ مهام معقدة مثل تلخيص النصوص الطويلة، وصياغة الرسائل، وحتى التفاعل بشكل أكثر طبيعية.
- مواكبة المنافسة: في سوق الهواتف الذكية التنافسي، أصبح الذكاء الاصطناعي ميزة تفاضلية رئيسية. هذه الشراكة المحتملة ستضع أبل في وضع أقوى لمنافسة أجهزة أندرويد التي بدأت بالفعل في دمج قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
- التركيز على نقاط القوة: بدلاً من محاولة بناء نموذج لغوي كبير من الصفر – وهي عملية مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً – يمكن لأبل التركيز على نقاط قوتها في تكامل الأجهزة والبرمجيات وتجربة المستخدم، بينما تستفيد من خبرة جوجل في مجال نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية.
التحديات والمخاوف المحتملة
على الرغم من الفوائد الواضحة، تثير هذه الشراكة المحتملة بعض التحديات والمخاوف:
- الخصوصية والأمان: تُعد الخصوصية حجر الزاوية في فلسفة أبل. سيتعين على الشركة إيجاد طرق لدمج "جيميناي" مع الحفاظ على التزاماتها الصارمة تجاه خصوصية بيانات المستخدمين، خاصة وأن معالجة نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة غالباً ما تتم على السحابة.
- الهوية التجارية: قد يثير الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي من شركة منافسة تساؤلات حول استقلالية أبل وقدرتها على الابتكار في هذا المجال الحيوي.
- التبعية التكنولوجية: قد يؤدي الاعتماد على جوجل إلى تبعية تكنولوجية لأبل في جانب أساسي من ميزات نظام التشغيل.
- الرقابة التنظيمية: قد تجذب شراكة بهذا الحجم بين اثنتين من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم انتباه الجهات التنظيمية، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الاحتكار.
الآفاق المستقبلية
من المتوقع أن تُقدم أبل لمحة عن استراتيجيتها للذكاء الاصطناعي خلال مؤتمر WWDC في يونيو 2024. قد تتضمن هذه الاستراتيجية نهجاً هجيناً، حيث يتم استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي الأصغر والأكثر كفاءة على الجهاز للمهام البسيطة والخاصة بالخصوصية، بينما يتم الاستعانة بنماذج سحابية قوية مثل "جيميناي" للمهام المعقدة التي تتطلب قوة حاسوبية أكبر. هذا النهج سيسمح لأبل بتقديم تجربة ذكاء اصطناعي شاملة مع الحفاظ على بعض التحكم في البيانات الحساسة.
إن دمج "جيميناي" في "سيري" يمكن أن يمثل بداية حقبة جديدة للمساعد الصوتي، وتحويلاً لتجربة استخدام أجهزة أبل، مما يجعلها أكثر ذكاءً وتفاعلية وتلبي احتياجات المستخدمين المتطورة في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي.




