تتصاعد المخاوف في الأوساط السودانية بشأن التأثير المتنامي لـمحمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع، على مستقبل إقليم دارفور الاستراتيجي. تشير تقارير وتحليلات إلى أن دقلو يسعى إلى إعادة تشكيل الواقع الجغرافي والسياسي في الإقليم عبر "إشعال حطب الخرائط"، في استعارة بلاغية تعكس محاولات إعادة ترسيم النفوذ أو تغيير الأوضاع الإدارية والجغرافية، بهدف تحقيق مكاسب استراتيجية أو ترسيخ سيطرته في المنطقة التي تشهد صراعات طويلة الأمد.

خلفية الأزمة الدارفورية وموقعها في الوجدان السوداني
يحتل إقليم دارفور، الواقع غرب السودان، مكانة محورية في تاريخ البلاد ووجدان شعبها. على الرغم من سنوات الصراع المريرة التي شهدها الإقليم، والتي أدت إلى نزوح الملايين ودمار واسع، إلا أن مكانته كجزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوداني ظلت راسخة. يرفض غالبية السودانيين أي محاولات لتقسيم دارفور أو عزلها عن بقية الوطن، وهو شعور تعززه مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة التي نادت بالوحدة الوطنية والعدالة لجميع الأقاليم. لقد كان دارفور، ولا يزال، رمزًا للصمود والتنوع السوداني، ولم تنجح محاولات التهميش والصراعات الطويلة في تقويض هذا الرصيد الوطني العميق.
بدأت الأزمة الدارفورية في أوائل الألفية الجديدة، وتصاعدت حدتها مع ظهور مليشيات الجنجويد، التي تطورت لاحقًا لتشكل نواة قوات الدعم السريع بقيادة دقلو. هذه القوات، التي تم دمجها لاحقًا في الهيكل الأمني للدولة، اتُهمت بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وساهمت في تعقيد المشهد الأمني والاجتماعي في دارفور. لطالما كان الصراع في دارفور متعدد الأبعاد، يمزج بين العوامل العرقية، والصراع على الموارد الشحيحة، والتهميش الاقتصادي والسياسي، ما جعله قضية وطنية ودولية بالغة التعقيد.
مناورات دقلو والجدل حول الخرائط
تشير عبارة "إشعال حطب الخرائط لطبخ وليمة دارفور" إلى خطة محكمة من قبل محمد حمدان دقلو لاستغلال الوضع الهش في دارفور لتحقيق أهدافه. يمكن أن تتجسد هذه المناورات في عدة أشكال:
- إعادة ترسيم الحدود الإدارية: قد تشمل محاولات تغيير تقسيمات الولايات أو المحليات داخل دارفور، بهدف تعزيز نفوذ جماعات معينة أو إضعاف أخرى، بما يخدم أجندة قوات الدعم السريع.
 - السيطرة على الموارد الاستراتيجية: يشتهر دارفور بموارده الطبيعية، بما في ذلك الأراضي الزراعية الخصبة ومناجم الذهب. قد تهدف هذه المناورات إلى ضمان السيطرة على هذه الموارد الحيوية، مما يوفر دعمًا اقتصاديًا ولوجستيًا لقوات دقلو.
 - التغيير الديموغرافي: ثمة مخاوف من أن تكون هناك محاولات لتغيير التركيبة السكانية في بعض المناطق عبر تهجير جماعات واستيطان أخرى، بما يخدم أجندة سياسية طويلة المدى ويغير موازين القوى في الإقليم.
 - تعزيز النفوذ السياسي والعسكري: من خلال السيطرة على مناطق جغرافية رئيسية، يمكن لدقلو تعزيز موقفه التفاوضي في أي تسوية سياسية مستقبلية في السودان، وجعل دارفور قاعدة قوية لنفوذه.
 
هذه التحركات، إن صحت، ليست مجرد تعديلات إدارية، بل هي جزء من استراتيجية أوسع قد تهدف إلى إضفاء الشرعية على مناطق نفوذ معينة، وتغيير الطابع الديموغرافي والسياسي لدارفور بطرق قد تكون لا رجعة فيها، مما يغذي المخاوف من تقسيم الإقليم أو استقلاله بشكل فعلي عن المركز.
ردود الفعل والتداعيات المحتملة
تثير هذه المناورات المزعومة قلقًا عميقًا على المستويين الوطني والدولي. في السودان، يتجلى رفض هذه الممارسات في شعارات مثل "يا عنصري ومغرور .. كل البلد دارفور"، وهو هتاف يبرز وحدة السودانيين وتصديهم لأي محاولة لتجزئة البلاد أو التفريق بين مكوناتها. هذا الشعار، الذي برز خلال ثورة ديسمبر، يؤكد أن قضية دارفور ليست قضية إقليمية منعزلة، بل هي قضية وطنية تمس كيان السودان بأكمله. يعتقد الكثيرون أن محاولات دقلو لترتيب "وليمة دارفور" لن تؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات وتأجيج الصراعات، بدلًا من تحقيق الاستقرار.
تخشى القوى المدنية والمجتمع الدولي من أن تؤدي هذه التحركات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في دارفور، وإعاقة جهود السلام الجارية، وتقويض أسس الدولة السودانية الموحدة. إن أي محاولة للتلاعب بالخرائط أو الحدود الإدارية في ظل غياب سلطة مركزية قوية وإجماع وطني يمكن أن يفتح الباب أمام صراعات جديدة وتفكك إقليمي، مما يهدد استقرار السودان بأكمله ويؤثر على دول الجوار.
في الختام، يمثل الجدل حول نفوذ محمد حمدان دقلو ومحاولاته المزعومة للتأثير على مستقبل دارفور الجغرافي والسياسي تحديًا خطيرًا يواجه السودان في مرحلته الانتقالية. تظل وحدة دارفور جزءًا لا يتجزأ من وحدة السودان، وأي محاولات لتغيير هذه الحقيقة بالقوة أو التلاعب الإداري تواجه رفضًا شعبيًا وسياسيًا واسعًا، مع تأكيد على أن حل قضايا دارفور يجب أن يتم ضمن إطار الوحدة الوطنية والعدالة الشاملة لجميع السودانيين.





