دور الإعلام والفن في حرب أكتوبر: قوة الكلمة واللحن في تحقيق النصر
تُعد حرب أكتوبر عام 1973 علامة فارقة في التاريخ العربي الحديث، ليس فقط بانتصاراتها العسكرية الحاسمة، بل أيضاً بدورها الشامل الذي تجاوز ميادين القتال ليشمل الجبهة الداخلية بكل أبعادها. في خضم هذه الملحمة، برز دور لا يُقل أهمية عن شجاعة الجنود؛ إنه دور الإعلام والفن، الذي شكل حجر الزاوية في بناء الروح المعنوية وتوحيد الصفوف خلف الهدف الوطني الأسمى. لقد كانت الكلمة واللحن أدوات قوية لا تقل تأثيراً عن الأسلحة في معركة النصر، مسهمة بفاعلية في تحقيق التماسك الوطني ودعم القوات المسلحة.
خلفية وتحديات الجبهة الداخلية
عقب نكسة يونيو 1967، عانت الأمة من تداعيات نفسية عميقة أثرت على الروح المعنوية للمواطنين. كان استعادة الثقة بالنفس وبالجيش، وإعداد الشعب نفسياً لمعركة التحرير القادمة، تحدياً كبيراً يتطلب استراتيجية شاملة. لم تكن مجرد إعادة بناء القوات المسلحة كافية، بل كان لا بد من بناء «جبهة داخلية» صلبة وموحدة، مؤمنة بقدرتها على استعادة الأرض والكرامة. هنا، لعب الإعلام والفن دوراً محورياً في تمهيد الطريق للمعركة المنتظرة، عبر بث الأمل وتثبيت العزيمة وترسيخ الإيمان بالنصر.
الإعلام: جبهة المعلومات الموحدة
قبل وأثناء حرب أكتوبر، كان الإعلام المصري بمثابة شريان الحياة الذي يربط بين القيادة والشعب، وبين الجبهة الأمامية والخلفية. استُخدمت وسائل الإعلام المختلفة – كالإذاعة والتلفزيون والصحف – بفاعلية لعدة أهداف حيوية:
- بث البيانات الرسمية: كانت الإذاعة والتلفزيون المصدر الرئيسي للأخبار الدقيقة والموثوقة حول سير العمليات العسكرية، مما قطع الطريق على الشائعات وحرب المعلومات التي كان يشنها العدو.
- تعزيز الروح المعنوية: قدمت الصحف قصصاً ملهمة عن بطولة الجنود وتضحياتهم، وسلطت الضوء على الاستعدادات العسكرية، مما غرس الثقة في قلوب المواطنين.
- التعبئة الوطنية: عمل الإعلام على حشد الدعم الشعبي الكامل للقوات المسلحة، وتوضيح أبعاد المعركة وأهميتها في استرداد الأرض والكرامة الوطنية.
- تفنيد الدعاية المعادية: تصدى الإعلام بقوة للمعلومات المضللة التي كان يبثها العدو، مقدماً رواية وطنية موحدة ومقنعة للأحداث.
لقد كان الإعلام بمثابة السلاح الذي يحمي العقول ويُحصّن الأرواح، ويضمن تماسك المجتمع في وجه التحديات الجسام.
الفن: صدى الوجدان الوطني
لم يقتصر دور الفن على الترفيه، بل تحول إلى قوة دافعة للتعبئة الروحية والعاطفية خلال حرب أكتوبر. كانت الأعمال الفنية، بكل أشكالها، بمثابة لغة مشتركة وحدت مشاعر المصريين والعرب:
- الأغنية الوطنية: شكلت الأغاني الوطنية عماد الدعم المعنوي. بألحانها الحماسية وكلماتها المؤثرة، ألهبت هذه الأغاني المشاعر وأيقظت روح التحدي والإصرار على النصر. كانت تذاع باستمرار في البيوت وفي الأماكن العامة، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من النسيج اليومي للمواطنين، تذكرهم بالهدف وتشد من أزرهم.
- الدراما والسينما: على الرغم من أن إنتاج الأفلام الروائية الطويلة يستغرق وقتاً، إلا أن الأفلام الوثائقية والمسرحيات القصيرة والبرامج التلفزيونية لعبت دوراً في توثيق اللحظة التاريخية وتصوير البطولة المصرية، مما عزز الشعور بالانتماء والفخر.
- الشعر والأدب: تغنى الشعراء والأدباء بالانتصار، وخلدوا ذكرى الشهداء، وعبروا عن تطلعات الأمة للحرية والعزة. تحولت القصائد إلى أناشيد يرددها الجميع، تضفي بعداً فنياً وفكرياً على معركة التحرير.
- الفنون التشكيلية: ساهمت الملصقات الفنية واللوحات التعبيرية في بث الرسائل الوطنية، وتصوير أمجاد الجيش، وتخليد لحظات العبور.
بذلك، تجاوز الفن كونه مجرد تعبير جمالي ليصبح شريكاً استراتيجياً في بناء الوعي الوطني وتحفيز الجماهير على الصمود والعطاء.
التأثير والآثار الدائمة
لقد أثبتت التجربة المصرية في حرب أكتوبر أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي لتحقيق النصر الشامل. بل يجب أن تتكامل مع قوة ناعمة تتمثل في الإعلام والفن، قادرة على تشكيل الرأي العام، وحماية الروح المعنوية، وتوحيد الأمة حول هدف واحد. لقد ساهم هذا التلاحم بين الجبهة العسكرية والجبهة الثقافية في:
- بناء جيل واعٍ ومدرك لأهمية التضحية من أجل الوطن.
- تثبيت الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء.
- تشكيل الذاكرة التاريخية للحدث بطريقة تليق بحجم النصر.
- تقديم نموذج فريد لدور القوة الناعمة في أوقات الأزمات الوطنية.
وبينما نتذكر بطولات حرب أكتوبر المجيدة، لا يسعنا إلا أن نؤكد على الدور المحوري الذي لعبه الإعلام والفن. لقد كانت الكلمة واللحن صدى لصرخات الجنود وشجاعتهم، وكانتا أيضاً أداة لبناء أمة مستعدة للنهوض من رماد التحديات نحو آفاق النصر والعزة.





