روسيا تلمح إلى انفراجة دبلوماسية محتملة في الأزمة الأوكرانية
أكدت موسكو مجدداً في تصريحات صدرت مؤخراً عن مسؤولين رفيعي المستوى، من بينهم الرئيس فلاديمير بوتين، استعدادها للدخول في مفاوضات لإنهاء الصراع في أوكرانيا. ومع ذلك، تأتي هذه التصريحات مصحوبة بشروط صارمة تؤكد على ضرورة الاعتراف بـ"الواقع الجديد على الأرض"، مما يعكس تمسك روسيا بمواقفها الأساسية التي حالت دون التوصل إلى تسوية منذ بدء الغزو في فبراير 2022. وتأتي هذه الإشارات الدبلوماسية في وقت تحرز فيه القوات الروسية تقدماً على جبهات القتال، مما يمنحها موقفاً تفاوضياً أقوى.

خلفية المفاوضات المتعثرة
لم تكن الجهود الدبلوماسية غائبة تماماً عن الصراع. ففي الأسابيع الأولى للحرب، انخرط الطرفان في عدة جولات من المحادثات، أبرزها مفاوضات إسطنبول في مارس 2022، التي شهدت تقدماً مبدئياً نحو اتفاق محتمل. لكن تلك المحادثات انهارت في النهاية وسط اتهامات متبادلة، وتزايد الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، وتكشف الفظائع في المناطق التي انسحبت منها القوات الروسية مثل بوتشا. ومنذ ذلك الحين، تجمد المسار الدبلوماسي المباشر، واقتصرت الاتصالات على قضايا محددة مثل تبادل الأسرى واتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود الذي انهار لاحقاً.
الشروط الروسية مقابل خطة السلام الأوكرانية
تتمحور رؤية روسيا للسلام حول مجموعة من المطالب التي لم تتغير جوهرياً، وهي تشكل العقبة الرئيسية أمام أي حوار جاد. تشمل هذه الشروط:
- الاعتراف بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها (لوهانسك، دونيتسك، زابوريجيا، وخيرسون).
 - التزام أوكرانيا بوضع محايد يمنعها من الانضمام إلى أي تكتلات عسكرية، وعلى رأسها حلف شمال الأطلسي (الناتو).
 - ما تصفه موسكو بـ"نزع السلاح ونزع النازية" عن أوكرانيا.
 - رفع العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
 
في المقابل، ترفض أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون هذه الشروط بشكل قاطع، معتبرين إياها مطالب استسلام تنتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وتتمسك كييف بخطة السلام المكونة من 10 نقاط التي طرحها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، والتي تدعو إلى انسحاب كامل وغير مشروط للقوات الروسية من جميع الأراضي الأوكرانية المعترف بها دولياً، وإقامة محكمة خاصة لمحاكمة جرائم الحرب، وتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا.
المبادرات الدولية وتحدياتها
في محاولة لحشد الدعم الدولي لرؤيتها، تستعد أوكرانيا لعقد قمة سلام في سويسرا بمشاركة عشرات الدول. ومع ذلك، استُبعدت روسيا من هذه القمة، مما دفع موسكو إلى وصفها بأنها "عديمة الجدوى" ومحاولة لفرض شروط كييف. ترى روسيا أن أي مفاوضات حقيقية لا يمكن أن تتم دون مشاركتها المباشرة. كما ظهرت مبادرات وساطة أخرى من دول مثل الصين وتركيا، لكنها لم تنجح حتى الآن في التغلب على الفجوة الهائلة بين مواقف الطرفين المتحاربين.
أهمية التصريحات في السياق الحالي
يرى محللون أن تكرار روسيا استعدادها للتفاوض قد يكون له أهداف متعددة. فمن ناحية، قد تسعى إلى إظهار نفسها كطرف راغب في السلام أمام المجتمع الدولي، وخاصة دول الجنوب العالمي التي لم تنضم إلى العقوبات الغربية، وإلقاء اللوم على أوكرانيا والغرب في استمرار الصراع. ومن ناحية أخرى، تعكس هذه التصريحات ثقة روسيا في موقفها العسكري الحالي، حيث تعرض التفاوض من موقع قوة. وفي المحصلة، ورغم الحديث المتكرر عن الدبلوماسية، يظل الطريق إلى حل سلمي مسدوداً بسبب التباين الكامل في الأهداف الأساسية؛ فبينما تسعى روسيا لترسيخ مكاسبها الإقليمية، تصر أوكرانيا على استعادة سيادتها الكاملة.



