سابقة في تاريخ فرنسا: الرئيس السابق ساركوزي يبدأ تنفيذ عقوبة السجن
في تطور قضائي بارز يُعد الأول من نوعه في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، بدأ الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، تنفيذ عقوبة السجن لمدة عام واحد بعد إدانته بتهم الفساد واستغلال النفوذ. ورغم أن العقوبة لن تُنفذ خلف القضبان، إلا أنها ستكون تحت نظام المراقبة الإلكترونية في منزله، مما يمثل لحظة فارقة في المشهد السياسي والقانوني الفرنسي، ويؤكد على مبدأ خضوع الجميع لسلطة القضاء بغض النظر عن مناصبهم السابقة.

خلفية القضية: قضية "التنصت"
تعود جذور هذه القضية، المعروفة إعلاميًا باسم "قضية التنصت" أو "قضية بيسموث"، إلى عام 2014. خلال تلك الفترة، كان المحققون يجرون تحقيقًا في مزاعم أخرى تتعلق بتمويل ليبي محتمل لحملة ساركوزي الرئاسية عام 2007. وأثناء التحقيق، قرر القضاة التنصت على هواتف الرئيس السابق، ليكتشفوا أنه كان يستخدم خطًا هاتفيًا سريًا مسجلًا باسم مستعار هو "بول بيسموث" للتواصل مع محاميه وصديقه المقرب، تييري هرتزوغ.
كشفت المحادثات المسجلة عن وجود ما وصفه الادعاء بـ "ميثاق فساد". وبحسب الاتهامات، حاول ساركوزي، عبر محاميه، الحصول على معلومات سرية من القاضي البارز في محكمة النقض، جيلبير أزيبير، حول قضية أخرى كانت تلاحقه تتعلق بتمويل حملته الانتخابية من سيدة الأعمال ليليان بيتنكور. في المقابل، وُعد القاضي أزيبير بالحصول على منصب قضائي رفيع في إمارة موناكو، وهو ما لم يتحقق في النهاية.
مسار المحاكمة والحكم النهائي
بعد سنوات من التحقيقات، بدأت المحاكمة التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة. في مارس 2021، أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها التاريخي بإدانة نيكولا ساركوزي وهرتزوغ وأزيبير. وحُكم على ساركوزي بالسجن ثلاث سنوات، منها سنتان مع وقف التنفيذ وسنة واحدة نافذة. وقد طعن ساركوزي وفريقه القانوني في الحكم، مؤكدين براءته وأن القضية برمتها ذات دوافع سياسية.
استمرت المعركة القضائية حتى مايو 2023، عندما أيدت محكمة الاستئناف في باريس الحكم الابتدائي بالكامل، لتصبح الإدانة نهائية. رفضت المحكمة دفوع ساركوزي، مؤكدة ثبوت تهم الفساد واستغلال النفوذ. وبناءً على الحكم، تقرر أن ينفذ ساركوزي عقوبة السجن لمدة عام واحد، مع منحه خيار قضائها في منزله تحت المراقبة الإلكترونية عبر سوار إلكتروني، وهو إجراء شائع في فرنسا للعقوبات القصيرة.
الأهمية والتداعيات القانونية والسياسية
يكتسب هذا الحكم أهمية تاريخية كونه يجعل من نيكولا ساركوزي أول رئيس فرنسي سابق يُحكم عليه بعقوبة سجن نافذة. على الرغم من أن الرئيس الأسبق جاك شيراك أُدين أيضًا في قضية فساد عام 2011، إلا أنه حصل على حكم مع وقف التنفيذ بسبب وضعه الصحي آنذاك. وبالتالي، فإن حالة ساركوزي تشكل سابقة قضائية تُرسخ مبدأ المساواة أمام القانون.
على الصعيد السياسي، يمثل الحكم ضربة قوية للإرث السياسي لساركوزي، الذي شغل منصب الرئاسة بين عامي 2007 و2012، ولا يزال شخصية مؤثرة في اليمين الفرنسي. ورغم ابتعاده عن المنافسة المباشرة على المناصب، إلا أن هذه الإدانة النهائية تلقي بظلالها على مسيرته السياسية وتاريخه. من جهته، واصل ساركوزي التأكيد على أنه ضحية "ملاحقة قضائية شرسة"، معلنًا عزمه على استنفاد كل السبل القانونية الممكنة لإثبات براءته، بما في ذلك اللجوء إلى محكمة النقض.
- المتهمون الرئيسيون: نيكولا ساركوزي (رئيس أسبق)، تييري هرتزوغ (محامٍ)، وجيلبير أزيبير (قاضٍ سابق).
- التهم: الفساد واستغلال النفوذ.
- العقوبة النهائية: السجن ثلاث سنوات، منها اثنتان مع وقف التنفيذ وسنة واحدة نافذة تُقضى تحت المراقبة الإلكترونية.
يجدر بالذكر أن هذه القضية ليست التحدي القانوني الوحيد الذي يواجهه ساركوزي، حيث لا يزال يواجه محاكمات في قضايا أخرى، أبرزها قضية "بيغماليون" المتعلقة بتجاوز سقف الإنفاق في حملته الانتخابية عام 2012، والتحقيق المستمر حول التمويل الليبي المزعوم لحملته عام 2007.





