اعتقال ضابط سوري سابق في فرنسا للاشتباه بضلوعه في جرائم ضد الإنسانية
في خطوة قضائية هامة ضمن جهود المحاسبة الدولية على الجرائم المرتكبة في سوريا، ألقت السلطات الفرنسية في أواخر شهر يناير 2024 القبض على ضابط سابق في الجيش السوري يُشتبه في تورطه بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ويمثل هذا الاعتقال حلقة جديدة في سلسلة الملاحقات القضائية التي تستهدف مسؤولين في النظام السوري في أوروبا بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.

تفاصيل الاعتقال والتهم الموجهة
تم توقيف الضابط السابق، الذي عُرّف عنه بالأحرف الأولى (عبد القادر. ت)، في فرنسا ووجهت إليه تهم التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وتستند الاتهامات إلى دوره المزعوم خلال خدمته في أحد الفروع الأمنية بين عامي 2011 و2013، وهي الفترة التي شهدت تصاعدًا كبيرًا في حملات القمع والاعتقال التعسفي والتعذيب الممنهج ضد المعارضين للنظام السوري.
ووفقًا للمعلومات التي قدمتها المنظمات الحقوقية المدّعية، عمل الضابط المتهم في فرع التحقيق التابع للمخابرات الجوية في مطار المزة العسكري بدمشق، وهو أحد أكثر المراكز الأمنية ارتباطًا بانتهاكات حقوق الإنسان. كما يُعتقد أنه عمل لاحقًا في مستشفى تشرين العسكري، الذي وثّقت تقارير حقوقية دولية استخدامه كجزء من آلية إخفاء آثار التعذيب والتخلص من جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب.
خلفية القضية ودور المنظمات الحقوقية
جاء هذا التطور القضائي نتيجة شكوى جنائية تقدم بها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، بالتعاون مع الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (LDH). وقدّمت هذه المنظمات أدلة وشهادات من ضحايا وشهود لتوثيق دور المتهم في الانتهاكات التي وقعت في المراكز التي عمل بها.
وتعتمد هذه الملاحقات على مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح للمحاكم الوطنية في دول مثل فرنسا وألمانيا بمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم دولية خطيرة، مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بغض النظر عن جنسية المتهم أو الضحايا أو مكان وقوع الجريمة. وقد أصبح هذا المبدأ أداة حيوية لتحقيق العدالة للضحايا السوريين في ظل غياب أي آلية مساءلة داخل سوريا أو عبر المحكمة الجنائية الدولية.
سياق أوسع: المحاسبة على فظائع سجن صيدنايا ومراكز الاحتجاز الأخرى
يأتي هذا الاعتقال في سياق أوسع من الجهود لمحاسبة المسؤولين عن الفظائع التي ارتكبت في شبكة واسعة من مراكز الاحتجاز السورية، والتي يُعد سجن صيدنايا العسكري أحد أكثرها وحشية، حيث وصفته منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية بـ "المسلخ البشري". ورغم أن الاتهامات الموجهة للضابط المعتقل تتعلق بدوره في مطار المزة ومستشفى تشرين، إلا أن قضيته تسلط الضوء مجددًا على الطبيعة المنهجية للتعذيب والإخفاء القسري والإعدامات خارج نطاق القضاء التي كانت سياسة دولة في عهد الأسد.
وقد سبقت هذه القضية محاكمات تاريخية أخرى في أوروبا، أبرزها محاكمة مدينة كوبلنتس في ألمانيا، التي انتهت بإدانة المسؤول السابق في المخابرات أنور رسلان بالسجن مدى الحياة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مما شكل سابقة قضائية هامة في مسار العدالة الدولية المتعلقة بسوريا.
أهمية هذا التطور
يُنظر إلى اعتقال هذا الضابط في فرنسا على أنه خطوة مهمة لعدة أسباب. أولًا، يؤكد من جديد أن المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لن يجدوا ملاذًا آمنًا في أوروبا، وأن جهود ملاحقتهم مستمرة. ثانيًا، يمنح بصيص أمل للآلاف من عائلات الضحايا والمختفين قسريًا في أن العدالة ممكنة، حتى بعد سنوات من وقوع الجرائم. وأخيرًا، يساهم في بناء سجل قضائي وتاريخي موثّق لجرائم النظام السوري، وهو أمر ضروري لأي عملية عدالة انتقالية مستقبلية في البلاد.




