شريف عرفة: أحمد زكي لم يكن أباً عظيماً لكنه أتقن تجسيد الأبوة فنياً
أدلى المخرج السينمائي البارز شريف عرفة بتصريحات مثيرة للجدل والنقاش خلال مشاركته في فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الجونة السينمائي، التي أقيمت في أكتوبر 2021. وخلال جلسة حوارية بعنوان "حوار مع شريف عرفة"، تطرق المخرج للحديث عن أيقونة التمثيل الراحل أحمد زكي، كاشفاً عن مفارقة فريدة في أدائه الفني. وصف عرفة الفنان الراحل بأنه "عبقري بالفطرة"، مؤكداً أنه على الرغم من أن زكي "لم يكن أباً عظيماً" في حياته الشخصية، إلا أنه امتلك قدرة مذهلة على تجسيد مشاهد الأبوة في أعماله الفنية بـ"إحساس حقيقي" وعمق لا مثيل له. أثارت هذه التصريحات اهتماماً واسعاً، وفتحت المجال لنقاشات عميقة حول العلاقة بين حياة الفنان الشخصية وعمق أدائه على الشاشة.

السياق العام والتصريحات الرئيسية
جاءت تصريحات شريف عرفة في إطار جلسة حوارية مخصصة لمسيرته الفنية الثرية، حيث استعرض خلالها جوانب من أعماله وكواليس تعاونه مع كبار النجوم. وعند الحديث عن تجربة عمله مع أحمد زكي في فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" (1998)، أشار عرفة إلى أن زكي كان يمتلك موهبة فذة تمكنه من الانغماس الكامل في الشخصية، والتقاط أدق تفاصيلها الوجدانية. المفارقة التي أبرزها عرفة كانت في قدرة زكي على نقل مشاعر الأبوة الحانية والصادقة على الشاشة، على الرغم من التحديات التي ربما واجهها في هذا الدور بحياته الواقعية. وأوضح عرفة أن هذا لا يقلل من قيمة زكي كأب، بل يؤكد على عبقريته الفنية وقدرته الاستثنائية على فهم وتجسيد مشاعر إنسانية معقدة تتجاوز تجربته الشخصية المباشرة. وأكد المخرج أن زكي لم يكن يمثل، بل كان يعيش الشخصية بكل جوارحه، مما يجعل الأداء يبدو وكأنه نابع من صميم واقعه الخاص.
الخلفية الفنية والشخصية لأحمد زكي
يُعد أحمد زكي (1949-2005) أحد أبرز عمالقة التمثيل في تاريخ السينما المصرية والعربية، واشتهر بأسلوبه الفريد في تجسيد الشخصيات بتقمص عميق وواقعية مبهرة. كانت مسيرته الفنية حافلة بأدوار متنوعة ومعقدة، أظهر فيها براعة فائقة في تحليل النفس البشرية وتقديمها على الشاشة. كان يُعرف عنه حرصه الشديد على الانفصال عن شخصيته الحقيقية والاندماج كلياً في الدور، وهو ما يُعرف بـ"التمثيل المنهجي" (Method Acting). هذه الالتزام الشديد بمتطلبات الشخصية كان أحياناً ما يؤثر على حياته الشخصية، وهو ما أشار إليه عرفة بشكل غير مباشر.
- اشتهر أحمد زكي بقدرته على التماهي مع الشخصيات لدرجة أن سمات الدور كانت تظهر عليه في حياته اليومية.
- جسد زكي أدواراً تتطلب حساسية عاطفية عالية وعمقاً نفسياً، مثل دوره في فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" حيث قدم شخصية الأب الذي يكافح لتربية ابنته.
- على الرغم من عظمته الفنية، كانت حياته الشخصية، خاصة علاقته بابنه الوحيد هيثم أحمد زكي (الذي رحل أيضاً في 2019)، محل اهتمام وتكهنات، وربما اتسمت ببعض التعقيدات التي قد تنبع من تركيزه الشديد على مسيرته الفنية.
أهمية التصريحات وتأثيرها
تكتسب تصريحات شريف عرفة أهميتها من كونها صادرة عن مخرج مخضرم عمل جنباً إلى جنب مع أحمد زكي، مما يمنحها بعداً مهنياً وشهادة من داخل صناعة السينما. إنها تسلط الضوء على عدة نقاط جوهرية:
- فصل الفن عن الواقع: تطرح هذه الملاحظة تساؤلات عميقة حول مدى قدرة الفنان على فصل حياته الشخصية عن أدائه الفني، وكيف يمكن للممثل أن يجسد مشاعر لم يعشها بنفس العمق في واقعه.
- عبقرية التقمص: تؤكد كلمات عرفة على عبقرية أحمد زكي الفريدة في التقمص، حيث لم يكن مجرد ممثل يؤدي نصاً، بل كان فناناً قادراً على استحضار مشاعر إنسانية عالمية وتقديمها بصدق متناهٍ، بغض النظر عن تجاربه الشخصية المباشرة.
- إثراء فهم الإرث الفني: تساهم هذه التصريحات في إثراء فهمنا لإرث أحمد زكي، ليس فقط كشخصية عامة، بل كفنان يمتلك أدوات فنية تمكنه من تجاوز حدود الذات لتقديم فن مؤثر وخالد.
- مناقشة حول طبيعة التمثيل: تُعيد هذه التصريحات فتح النقاشات الأكاديمية والفنية حول طبيعة فن التمثيل، وخاصة التمثيل المنهجي، وكيف يمكن للممثل أن يستخدم مصادره الداخلية والخارجية لخلق أداء مقنع.
في الختام، تُعد ملاحظة شريف عرفة بمثابة شهادة قوية على الموهبة الاستثنائية لـأحمد زكي، التي مكنته من أن يصبح رمزاً فنياً قادراً على تجسيد أعمق المشاعر الإنسانية بصدق لا يُضاهى، مؤكداً أن الفن يمكن أن يكون مرآة للحقيقة، حتى لو لم تكن تلك الحقيقة مطابقة تماماً لتجربة الفنان الشخصية.





