شلل الطيران الأمريكي: كيف تسبب أطول إغلاق حكومي في إلغاء آلاف الرحلات؟
شهد قطاع الطيران في الولايات المتحدة حالة من الفوضى غير المسبوقة في أواخر عام 2018 وأوائل عام 2019، نتيجة لأطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد. هذا الشلل، الذي استمر لمدة 35 يومًا، لم يؤثر فقط على الموظفين الفيدراليين الذين عملوا دون أجر، بل امتدت تداعياته لتصيب شرايين النقل الجوي، مما أدى إلى إلغاء وتأخير آلاف الرحلات ومهددًا سلامة الملاحة الجوية.

خلفية الأزمة: نزاع سياسي وشلل فيدرالي
بدأ الإغلاق الحكومي الجزئي في 22 ديسمبر 2018، واستمر حتى 25 يناير 2019، بسبب خلاف حاد بين الرئيس آنذاك دونالد ترامب والكونجرس حول طلب تمويل بقيمة 5.7 مليار دولار لبناء جدار على الحدود مع المكسيك. أدى هذا الخلاف إلى توقف تمويل ربع الوكالات الفيدرالية، بما في ذلك وزارتا النقل والأمن الداخلي، وهما الوزارتان المسؤولتان بشكل مباشر عن سلامة وكفاءة الطيران المدني من خلال إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) وإدارة أمن النقل (TSA).
تأثير الإغلاق على العاملين في قطاع الطيران
كان التأثير الأبرز للإغلاق هو إجبار عشرات الآلاف من الموظفين الأساسيين على العمل دون الحصول على رواتبهم، مما خلق ضغوطًا مالية ونفسية هائلة. وشمل هؤلاء:
- مراقبو الحركة الجوية: يُعتبر هؤلاء الموظفون، التابعون لإدارة الطيران الفيدرالية، حاسمين لضمان تدفق آمن ومنظم للطائرات. أجبر ما يقرب من 13 ألف مراقب جوي على مواصلة عملهم في وظائف تتطلب تركيزًا عاليًا تحت ضغط عدم اليقين المالي.
- موظفو أمن المطارات (TSA): واجه حوالي 50 ألف موظف من إدارة أمن النقل، المسؤولون عن فحص الركاب والأمتعة، نفس المصير، حيث استمروا في العمل لتأمين المطارات دون أجر.
مع استمرار الإغلاق، بدأت تظهر تبعات هذا الوضع. سُجل ارتفاع كبير في نسبة تغيب الموظفين عن العمل، حيث أبلغ عدد متزايد من المراقبين الجويين وموظفي الأمن عن مرضهم، في خطوة فُسرت على أنها احتجاج صامت أو نتيجة مباشرة للضغوط المالية التي تمنعهم من الوصول إلى أماكن عملهم.
فوضى في المطارات الكبرى وتصاعد الأزمة
تحولت المشاكل المتعلقة بالموظفين بسرعة إلى أزمة تشغيلية واسعة النطاق. في الأسبوع الأخير من الإغلاق، وصل النظام الجوي إلى نقطة الانهيار. ففي يوم 25 يناير 2019، أدى النقص الحاد في عدد المراقبين الجويين في المراكز الحيوية على الساحل الشرقي إلى اتخاذ إدارة الطيران الفيدرالية إجراءات استثنائية.
أصدرت الإدارة أوامر بوقف مؤقت للرحلات القادمة إلى مطار لاغوارديا (LGA) في نيويورك، وهو أحد أكثر المطارات ازدحامًا في البلاد. كما تم الإبلاغ عن تأخيرات كبيرة في مطارات رئيسية أخرى مثل نيوآرك ليبرتي الدولي (EWR) وفيلادلفيا الدولي (PHL). هذه الإجراءات لم تكن مجرد إزعاج للمسافرين، بل كانت مؤشرًا خطيرًا على أن النظام الجوي الوطني لم يعد قادرًا على العمل بأمان وكفاءة.
الضغوط تنهي الإغلاق
كانت الفوضى في قطاع الطيران بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. أصدرت نقابات الطيران الكبرى، بما في ذلك الرابطة الوطنية لمراقبي الحركة الجوية (NATCA) ورابطة طياري الخطوط الجوية (ALPA)، بيانًا مشتركًا حذرت فيه من أن الإغلاق يعرض سلامة الركاب وطواقم الطائرات للخطر. هذا التحذير، الذي جاء من خبراء الخطوط الأمامية، أضاف ضغطًا هائلاً على الإدارة والكونجرس للتوصل إلى حل.
بعد ساعات قليلة من توقف الرحلات في لاغوارديا، أعلن الرئيس ترامب عن توصله إلى اتفاق مع قادة الكونجرس لتمويل الحكومة مؤقتًا لمدة ثلاثة أسابيع، مما أنهى أطول إغلاق حكومي في التاريخ الأمريكي. اعترف العديد من المحللين والسياسيين بأن اضطرابات الطيران كانت العامل الحاسم الذي أجبر الطرفين على التفاوض.
في المحصلة، كشف الإغلاق الحكومي عن مدى اعتماد البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة على موظفيها الفيدراليين، وأظهر كيف يمكن للخلافات السياسية أن تتحول بسرعة إلى أزمة تؤثر على سلامة وحياة الملايين من الناس.





