ترامب يلقي باللوم على الديمقراطيين في أطول إغلاق حكومي تشهده أمريكا
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية، في أواخر عام 2018 ومطلع عام 2019، أطول إغلاق حكومي في تاريخها، والذي امتد لمدة 35 يومًا. وقد ألقى الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، اللوم بشكل صريح على الحزب الديمقراطي، محملًا إياهم مسؤولية ما وصفه بـ "الشلل المؤسسي" الذي عطل عمل العديد من المؤسسات الفيدرالية وأثر سلبًا على الاقتصاد الوطني. وجاءت تصريحات ترامب في سياق خلاف سياسي عميق حول تمويل الجدار الحدودي الذي طالب به بين الولايات المتحدة والمكسيك، والذي أصبح محور الأزمة.

الخلفية والأسباب الرئيسية للإغلاق
تعود جذور الأزمة إلى إصرار الرئيس دونالد ترامب على تأمين مبلغ 5.7 مليار دولار لتمويل بناء جدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، والذي كان أحد أبرز وعوده الانتخابية. وفي المقابل، عارض قادة الحزب الديمقراطي، بمن فيهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، بشدة هذا الطلب. واعتبر الديمقراطيون أن الجدار غير فعال، ومكلف، ويمثل إهدارًا لأموال دافعي الضرائب، مشددين على ضرورة تبني حلول أمنية حدودية أكثر شمولية وفعالية. فشل الكونغرس في التوصل إلى اتفاق حول مشاريع قوانين المخصصات المالية قبل الموعد النهائي في 21 ديسمبر 2018، مما أدى إلى توقف التمويل لحوالي ربع الوكالات الفيدرالية ودخول الحكومة في حالة إغلاق.
مواقف الأطراف الرئيسية وتطورات الأزمة
خلال فترة الإغلاق، تباينت المواقف بين البيت الأبيض والديمقراطيين، وتصاعد التوتر السياسي بشكل ملحوظ:
- موقف الرئيس ترامب: أصر ترامب على أن تمويل الجدار ضروري للأمن القومي الأمريكي، معتبرًا إياه خط دفاع حاسم ضد الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات. واستخدم الرئيس المنصات العامة ووسائل التواصل الاجتماعي للضغط على الديمقراطيين، محملًا إياهم مسؤولية أي تداعيات سلبية للإغلاق على الأمن والاقتصاد. كما هدد بإبقاء الحكومة مغلقة لأشهر أو حتى سنوات إذا لم يتم تلبية مطالبه.
- موقف الديمقراطيين: عارض الديمقراطيون تمويل الجدار بشدة، واصفين إياه بأنه "رمز للفرقة" ومطالبين بحلول أمنية حدودية تعتمد على التكنولوجيا والموظفين بدلاً من الجدار المادي. رفضت نانسي بيلوسي وتشاك شومر التفاوض على تمويل الجدار ما دامت الحكومة مغلقة، مصرين على ضرورة إعادة فتح الحكومة أولاً ثم مناقشة قضايا أمن الحدود.
تخللت الأزمة عدة جولات من المفاوضات الفاشلة بين الإدارة والكونغرس، حيث تبادل الطرفان الاتهامات بتعطيل العمل الحكومي والمسؤولية عن الأضرار المترتبة.
التداعيات والآثار المترتبة
كان للإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة تداعيات واسعة النطاق على الأفراد، الخدمات الحكومية، والاقتصاد بشكل عام:
- على الموظفين الفيدراليين: تضرر ما يقرب من 800 ألف موظف فيدرالي بشكل مباشر، حيث تم إجبار حوالي 380 ألفًا منهم على إجازة إجبارية دون أجر، بينما اضطر نحو 420 ألفًا آخرين للعمل دون تلقي رواتبهم. وقد تسبب هذا في ضائقة مالية كبيرة للعديد من الأسر، حيث اضطر البعض إلى اللجوء إلى بنوك الطعام أو البحث عن وظائف مؤقتة لتغطية نفقاتهم الأساسية.
- على الخدمات الحكومية: تأثرت العديد من الخدمات الحكومية الأساسية. وشمل ذلك الإغلاق الجزئي للمتنزهات الوطنية والمتاحف، وتأخير في معالجة طلبات استرداد الضرائب (في البداية)، وتقليص العمليات في نقاط التفتيش الأمنية بالمطارات، بالإضافة إلى تأثيرات على عمليات تفتيش سلامة الأغذية، والأبحاث العلمية، والقروض المخصصة للشركات الصغيرة.
- على الاقتصاد: أشارت التقديرات الأولية إلى أن الإغلاق كلف الاقتصاد الأمريكي مليارات الدولارات، مما أثر سلبًا على نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من عام 2019. كما تسببت حالة عدم اليقين السياسي في تراجع ثقة المستهلكين وقطاع الأعمال.
نهاية الأزمة والتداعيات اللاحقة
انتهى الإغلاق الحكومي في 25 يناير 2019، عندما وافق الرئيس ترامب على مشروع قانون تمويل مؤقت لمدة ثلاثة أسابيع لإعادة فتح الحكومة، وذلك دون تضمين أموال الجدار التي كان يطالب بها. جاء هذا القرار وسط ضغوط عامة متزايدة ومخاوف متنامية بشأن التأثيرات الاقتصادية. ومع ذلك، لم تكن نهاية الأزمة هي نهاية المطاف لمطالب ترامب، فبعد فترة وجيزة، أعلن الرئيس حالة طوارئ وطنية لإعادة توجيه الأموال من مشاريع أخرى لتمويل بناء الجدار، وهي خطوة واجهت تحديات قانونية ومعارضة سياسية فورية. أبرزت هذه الأزمة عمق الانقسام الحزبي في السياسة الأمريكية، وقدرة النزاعات حول الميزانية على شل وظائف الحكومة الأساسية، مع تداعيات بعيدة المدى على الثقة في العملية السياسية.





